للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

فليس للمولي المراجعة إن قصد الضرر كما هو مفهوم قوله تعالى: ﴿فَإِنْ طَلَّقَهَا فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا أَنْ يَتَرَاجَعَا إِنْ ظَنَّا أَنْ يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ وَتِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ﴾ [البقرة: ٢٣٠].

وهذا الإيراد يرد على بعض من يرى وقوع الطلاق بمضي المدة فالبعض يرى أنَّ الطلاق يقع رجعيًا (١).

الترجيح: يترجح لي القول الأول وقف المولي بعد مضي أربعة أشهر إما أن يجامع أو يطلق فهو رأي جمهور الصحابة وهو أقوى من جهة النظر فالحكم يراد به رفع الظلم عن المرأة وتحقيق المصلحة لها وهذا يختلف من امرأة لأخرى فبعض النساء تؤثر البقاء مع زوج ظالم لأجل أولادها والجماع حق مشترك للزوجين (٢) وللمرأة أن تسقطه برضاها فتسقط حقها من القسم والجماع فلها أن تسقطه مع الإيلاء. فالقول بوقف المولي بعد مضي مدة التربص يحقق المصلحة للمرأة فلها طلب الطلاق أو البقاء معلقة.

أما قوله تعالى: ﴿لِلَّذِينَ يُؤْلُونَ مِنْ نِسَائِهِمْ تَرَبُّصُ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ فَإِنْ فَاءُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (٢٢٦) وَإِنْ عَزَمُوا الطَّلَاقَ فَإِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ﴾ فليس فيها دلالة قوية لهذا القول فوجه الاستدلال من الآيتين شبه متكافئ وإن كان وجه الاستدلال عند الجمهور أقوى عندي. ولكون الآيتين تحتملان كلا القولين حصل الخلاف من لدن الصحابة .

قال أبو بكر الجصاص: قوله تعالى: ﴿وَإِنْ عَزَمُوا الطَّلَاقَ فَإِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ﴾ [البقرة: ٢٢٧]. يحتمل الوجوه التي حصل عليها اختلاف السلف ولولا احتماله لها لما تأولوه عليها لأنَّه غير جائز تأويل اللفظ المأوَّل على ما لا احتمال فيه وقد كان السلف من أهل اللغة والعالمين بما يحتمل من الألفاظ والمعاني المختلفة وما لا يحتملها فلما اختلفوا فيه على هذه الوجوه دل ذلك على احتمال اللفظ لها (٣).

وقال أبو بكر ابن العربي: قوله تعالى: ﴿وَإِنْ عَزَمُوا الطَّلَاقَ﴾: اختلف الصحابة والتابعون في وقوع الطلاق بمضي المدة، هذا وهم القدوة الفصحاء اللسن البلغاء


(١) انظر: تفسير الطبري (٢/ ٢٦٠).
(٢) انظر: شرح الزركشي على الخرقي (٢/ ٤١٥).
(٣) أحكام القرآن للجصاص (١/ ٤٩١).

<<  <   >  >>