للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

هلك مَنْ كان قبلكم باختلافهم في الكتاب" (١).

وتلك الآية التي اختلفا فيها كانت متعلقة بالقدر، فقد أخرج ابن ماجه بسندٍ صحيحٍ عن عمرو بن شُعَيبٍ عن أبيه عن جدِّه، وجدُّه هو عبد الله بن عمروٍ قال: خرج رسول الله صلَّى الله عليه وآله وسلَّم على أصحابه وهم يختصمون في القدر فكأنما يُفْقَأُ في وجهه حَبُّ الرُّمَّان من الغضب، فقال: "بهذا أُمرتم أو لهذا خُلقتم؟ تضربون القرآن بعضه ببعض، بهذا هلكت الأمم قبلكم" (٢).

فهم يقبلون كلَّ ما ثبت عن الله ورسوله، ويأخذون بالواضح معناه من ذلك ويتفهَّمون ما عداه، فإذا فهموا نظروا فإن كان إظهار ذلك مما تدعو إليه ضرورةٌ أو لا تترتَّب عليه مفسدةٌ أظهروه، وإن لم يروا لإظهاره ضرورة وخافوا من إظهاره اختلافًا وافتراقًا في الدين وسعهم السكوت.

وقد كان كلام الراسخين في العلم من السلف مجملًا تبعًا لإجمال الكتاب والسنة، وكانوا ينكرون على من حدث من القدرية وجرَّه هواه إلى ما جرَّه كما تقدَّم، فربَّما كان في إنكارهم ما يوهم طرفًا من الجبر، فأراد إمام التابعين الحسن البصريُّ رحمه الله تعالى أن يشرح الأمر، فلامه أهل العلم؛ لأنهم ــ والله أعلم ــ خافوا أن يكون في ذلك تقويةٌ مَّا لبدعة القدريَّة مما يجرُّ كثيرًا من الناس إلى مقالتهم، وفوق ذلك رأوا أن في الشرح والتفسير مخالفةً لصنيع الكتاب والسنَّة من الإجمال، وأنه ربَّما أَدَّى إلى الاختلاف والافتراق في الدين، فَكَفَّ رحمه الله تعالى عن ذلك.


(١) صحيح مسلم، أوائل كتاب العلم، [باب النهي عن اتَّباع متشابه القرآن]، ٨/ ٥٧، ح ٢٦٦٦. [المؤلف]
(٢) سنن ابن ماجه، في أوائله، بابٌ في القدر، ١/ ٣٣، ح ٨٥. [المؤلف]