للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

نواه، ومَثَّلَ له بالهجرة؛ فإنَّ الخارج من دار الكفر إلى دار الإسلام [١٠٤] قاصدًا قد وُجِدَ منه عَمَلٌ شرعي تكليفيٌّ في الجملة، وهذا العمل الشرعي التكليفي يحتمل أن يكون الهجرةَ إلى الله ورسوله وحكمُه الوجوب، أو الهجرة إلى دنيا يصيبها أو امرأة يتزوجها وله حكم آخر, فتعيين أحدهما بخصوصه موكول إلى نيته الخاصة. وهاهنا انتهى معنى الحديث (١).

فأنت ترى أن الحديث إنما تعرَّض للفصل بين الأعمال الشرعية التكليفية وبين غيرها، فأما أحكام تلك الأعمال فلم يتعرَّضْ لها وإنما تؤخذ من الأدلَّة الأخرى.

ولنوضح ذلك بمثال: أربعة وقعوا على أمهاتهم, فأحدهم مجنون، والثاني ظنها زوجته، والثالث يعلم أنها أمه ولكن غلبته الشهوة، والرابع يعلم أنها أمه وقصد بِرَّها ورضاها تقربًا إلى الله تعالى في زعمه.

فالأوَّل: ليس له قصد معتدٌّ به شرعًا. «وإنما الأعمال بالنيات»، فلم يوجَدْ مِنْه عمل شرعي تكليفي أصلًا، فلا يقال لعمله: حرام ولا مكروه ولا مباح ولا مندوب ولا واجب، والآخرون قصدوا الوقوع فوُجِدَ مِنْ كلٍّ منهم عملٌ شرعيٌّ (٢) تكليفي. ثم يقال: الثاني (٣) إنما نوى الوقوع على زوجته،


(١) هنا كان مكتوبًا: «ولنضرب مثلًا يتَّضح به المعنى»، وهو تكرارٌ لما سيأتي بعد سطرين من قوله: «ولنوضِّح ذلك بمثالٍ»، لأنه ضرب على صفحةٍ ونصف صفحة ثم أعاد تبييضهما، فنسي أن يضرب على هذا القدر.
(٢) أي للشرع فيه حكمٌ، ولا يعني أنه مشروعٌ.
(٣) لعله: «الأوَّل» أي: في عدد الآخرين خلا المجنون، بدليل ما يأتي من الثاني والثالث.