ولكنَّ كثيرًا من الذين يكفِّرون بَعْضَ المصلِّين في هذا الزمان ليس عندهم شبهة قويَّة يُعْذَرُون بها، ولا هم أهلٌ للاجتهاد والنظر. والله المستعان.
فإن قلت: فهل يتصور أن يُعْذَرَ الإنسان في الكفر كما قد يعذر في التكفير؟
قلت: أما من أقدم على الكفر مختارًا وهو يعلم أو يظن أنه كفر, أو كان عنده احتمال لكون ذلك كفرًا ولم يبحث ولم ينظر, أو بحث ونظر بغير تحقيق ولا إنصاف, بل كان غرضه من البحث نصرَ هواه والردَّ على مخالفيه, أو جاهلًا أنه كفر وهو مقصِّر بجهله= فإنه لا يُعْذَر.
وأما من أقدم مكرهًا وقلبه مطمئن بالإيمان, أو جاهلًا غير مقصِّر, كمن نشأ في رأس جبل= فمعذور.
وأما مَنْ أقدم عليه يعتقد أنه ليس بكفر، وقد نظر وبحث باذلًا أقصى جهده في ذلك حريصًا على إصابة [١٠٨] الحق مخلصًا في هذا القصد، فأدَّاه اجتهاده إلى أن ذلك الأمر ليس بكفر بل هو حق؛ فإن كان مسلمًا ملتزمًا بالأصول الإسلامية العظمى، وإنما كان خلافه فيما دونها, فسيأتي الكلام عليه في الأعذار، إن شاء الله.
وإن كان خلافه في أصول الإسلام العظمى فقد نُقِلَ عن رجل أو رجلين من المتقدمين أن هذا معذور، وجمهور العلماء على أنه غير معذور، وزاد بعضهم فكفَّر من يقول إنه معذور (١). وظهر لي أن مثل هذا الشخص لا يوجد؛ لأنه قد فُرِضَ مجاهدًا في سبيل الحق مخلصًا في جهاده, فيمتنع
(١) مضى الكلام على هذا المبحث في الصفحات ١٧١ - ١٧٢، ٢٠٦ - ٢١٠.