للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

شيء رحمة وعلمًا، كما حكى الله تعالى عنهم في كتابه أنهم يقولون: {رَبَّنَا وَسِعْتَ كُلَّ شَيْءٍ رَحْمَةً وَعِلْمًا} [غافر: ٧]، وذلك يقتضي ألَّا يشفعوا لأحد إلَّا بأمره أو بإذنه، وقد صرَّح بذلك في القرآن كما تقدم مرارًا، فإن شفعوا لهذا الذي فرض أنه غير مستحق لحاجته، فإن أمرهم الله بالشفاعة فلم يأمرهم بها حتى جعل برحمته المشفوع له مستحقًّا, ولا بدَّ أن يطيعوا الله فيشفعوا.

وعلى فرض أنهم لا يشفعون فقد كفى في حصول الحاجة أنَّ الله عزَّ وجلَّ قد أراد قضاءها فلا بدَّ أن يقضيها شفعوا أم لم يشفعوا. وإن أذن لهم فيها على أنهم مخيَّرون إن شاء شفعوا وإن شاء لم يشفعوا، فالملائكة عباد مطهَّرون لا يمتنعون من شفاعة قد أذن لهم ربهم فيها.

وإن فرضنا إمكان ألَّا يشفعوا فالظاهر من حكمة الله عزَّ وجلَّ ورحمته أنه لم يأذن لهم في الشفاعة في تلك الحاجة إلَّا وقد أراد قضاءها، فلا يمنعه مما أراده عدم شفاعتهم، وعلى فرض أنه لا يقضيها إذا لم يشفعوا فما الطريق إلى حملهم على الشفاعة؟ لا سلطان عندكم على أنه يحملهم على الشفاعة تعظيمهم أو السؤال منهم، بل إنه يُعْلَم من تعظيمهم ربهم عزَّ وجلَّ أنهم يبغضون أن يعظَّموا أو يُدْعَوا مِنْ دونه، وأنهم لا [٥٩٥] يحبون إلَّا من يُعَظِّم ربهم ويبجّله.

فعُلِمَ بذلك أنَّ الطريق إلى تحصيل شفاعة الملائكة هي الاجتهاد في طاعة الله عزَّ وجلَّ وإخلاص العبادة له سبحانه. فتدبَّروا ما تقدَّم كما ينبغي, ثم تدبَّروا ما يأتي.