يريدون الشفاعة ولكن لا يشفعون حتى يؤذن لهم، ويُشعر بأنهم بعد الإذن مخيَّرون أن يشفعوا أو لا يشفعوا، ونحن نرى أنهم إذا أرادوا الشفاعة كان ذلك مظنة أنْ يؤذَن لهم، فعلى هذا فيستحقُّون العبادة لأجل إرادتهم ولأجل اختيارهم لأن يشفعوا بدون إلزام من الله تعالى لهم بالشفاعة.
قلنا: فكونهم لا يشفعون إلَّا بعد إذنه سبحانه ورضاه يدلُّكم أنه ليس لكم أن تعظموهم إلا إذا أذن الله ورضي، فإذا تحاشى الملائكة مع قربهم من ربهم أن يشفعوا عنده بدون إذنه ورضاه، أفلا ينبغي للبشر مع بعدهم أن يتحاشوا عن أن يسوُّوا بربهم بعض عباده في العبادة ويجعلوا له شركاء فيها، والخطر في هذا أشدُّ وأعظم؟
ثم نقول: أرأيتم إرادتهم واختيارهم ما علَّة وجودهما؟ أَخَلْقُ الله إياهما في نفوسهم, أم علمهم بأن فيهما مرضاته, أم رحمتهم للمشفوع له, أم المكافأة للمشفوع له على تعظيمه لهم فيما مضى ومحبة أنْ يعظِّمَهم فيما بعدُ؟
فعلى الأول لا يستحقون التعظيم بذلك بل المستحق للتعظيم على تلك الإرادة وذلك الاختيار هو الخالق لهما. وكذا على الثاني؛ فإنَّ المستحق للتعظيم على تلك الإرادة وذلك الاختيار هو الذي جعل رضاه فيهما حتى حمل الملائكة عليهما.
وأمَّا على الثالث فما علَّة وجود تلك الرحمة؟ أَخَلقها الله في نفوسهم أم غير ذلك؟ [٥٩٧] فإن كان الأول فالخالق لها هو المستحقُّ للتعظيم لأجلها، وإن كان غيره فما هو ... ؟ إن ذكرتم الأمر الرابع فسيأتي الكلام عليه، وإن ذكرتم أمرًا آخر أعاد (١) السؤال في علته حتى ينتهي الأمر إلى