للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

البشر إلى بعض، ومع ذلك فإنَّ الإسلام نفسه يأمر بشكر المحسن.

قلنا: هذا حقٌّ، ولكن تعيين الفعل الذي يكون الشكر به ليس إلى اختيار البشر، بل يتوقَّف على أمر الله عزَّ وجلَّ أو إذنه فليس لأحد أن يشكر أحدًا بقول من الأقوال أو فعل من الأفعال إلا بسلطان ينزل (١) الله تعالى بالأمر أو الإذن بذلك القول أو الفعل. وذلك لأن استحقاق ذلك المحسن للشكر مما يتحيَّر فيه العقل كما مرّ، وعلى فرض أنه يُقطع بالاستحقاق فلا يستطيع تعيين ما ينبغي من الشكر, ولا سيما مع خشية أن يقع في تسوية ذلك المحسن بالمحسن الحقيقي، وهو ربُّ العالمين تبارك وتعالى.

فكان الواجب على الإنسان أن يتوقَّف حتى يأتيه سلطان من الله عزَّ وجلَّ ببيان ذلك، عالمًا أنه إذا علم الله عزَّ وجلَّ أنَّ على الإنسان حقًّا لأحد لا يدري كيف يؤديه قيَّض (٢) له من يعلِّمه ببرهان بيِّن أو اكتفى منه بعلمه أنه لو عرف كيف يؤدِّيه لأدَّاه.

بل إنَّ الإسلام يوجب على العباد أن لا يعبدوا ربهم إلَّا بما أنزل به سلطانًا، ويعلمهم أنه ليس لهم أن يعبدوه بما يرون [٥٩٩] بدون سلطان منه؛ لأن في ذلك كذبًا عليه بزعم أنه يحب ذلك الفعل ويرضاه مع أنه لم ينزل به سلطانًا، ولا يدركه العقل إدراكًا قاطعًا.

فإذا كان هذا في شكر المنعِم الحقيقي مع قطع العقل بأنه منعم حقيقيٌّ وأنه يستحق الشكر، فما بالكم بغيره ممن نشك في كونه منعمًا، ونعلم بأنه


(١) كذا في الأصل. ولعلها: ينزله.
(٢) رسم في الأصل بالظاء، والصواب بالضاد، أي: هيَّأ وأتاح له.