كُلَّهُ وَيَسْأَلَ الْسَّلَاطِينَ الأَدَاءَ عَنْهُ فِي حَيَاتِهِ إِلَاّ بِهَذَا الْحَدِيثِ، ثُمَّ تَكَثَّر عَلَيْهِ بِمَا لَا حِيلَةَ لَهُ فِيهِ، وَذَلِكَ أَنَّه عَلَيْهِ السَّلَامُ لَمْ يَغْرَمْ دَيْنَ وَالِدِ جَابِر بْنِ عَبْداللهِ وَقَدْ تُوفِّيَ وَتَرَكَ تِسْعَ بَنَاتٍ وَجَابِرًا عَاشِرًا، حَتَّى احْتَاجَ إِلى أَنْ يَشْفَعَ عِنْدَ الْيَهُودِ فِي ذَلِكَ، وَسَأَلَهُمْ أَنْ يَقْطَعَ لَهُمْ جَمِيعَ حَائِطِهِ بِمَالَهُمْ فَأَبَوا ذَلِكَ عَلَيْهِ, حَتَّى لَجَأَ إِلى الله عَزَّ وَجَلَّ بِالدُّعَاءِ فِي الْبَرَكَةِ فَأَدَّى اللهُ عَنْهُ بِبَرَكَةِ دَعْوَتِهِ عَلَيْهِ السَّلامُ، وَقَدْ كَانَ قَطَعَ لَهُمْ الْحَائِطَ كُلَّهُ وَيَتْرُك الْوَرَثَةَ بِلا ثَمَرَةٍ وَذَلِكَ خِلَافُ قَوْلِ ابْنُ شِهَابٍ، وَبِخَلافِ نَصِّ الْحَدِيثِ: «مَنْ تَرَكَ مَالًا فَلِوَرَثَتِهِ وَمَنْ تَرَكَ دَيْنًا فَعَلَيِّ قَضَاؤُهُ».
وَفِي وَصِيَّةِ الزُّبَيْرِ رَضِيَ الله عَنْهُ لِعَبْدِاللهِ ابْنِهِ عِنْدَ الْمَوْتِ: إِنْ وَافَى مَالُنَا بِدَيْنِي وَإِلَاّ فَاسْتَعِنْ مَوْلَى الزُّبَيْرِ, يُرِيدُ اللهَ عَزَّ وَجَلَّ، وَذَلِكَ فِي أَوْفَرِ مَا كَانَتْ أَمْوَالُ الْمُسْلِمِينَ فِي بَيْتِ مَالِهِمْ، وَأعْظَمَ مَا كَانَتْ فُتُوحَاتُهُمْ, فَلَوْ عَلِمَ الزُّبَيْرُ أَنَّ عَلَى بَيْتِ الْمَالِ قَضَاءَ دَيْنِهِ بِحُكْمِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَقُولُ: اسْتَعِنْ مَوْلَى الزُّبَيْرِ عَلَى بَيْتِ الْمَالِ بَقِيَّةَ دَيْنِي، لَكِنَّ عَبْدَاللهِ فَهِمَ عَنْهُ، فَكَانَ عَبْدُاللهِ إِذَا وَقَعَ فِي كُرْبَةٍ مِنْ دَيْنِ الزُّبَيْرِ يِقُولُ: يَا مَوْلَى الزُّبَيْرِ أَدِّ عَنْهُ، فَمَا أَدَّى عَنْهُ إِلَاّ مِنْ أَصْلِهِ فِي الْغَابَةِ، وَلَمْ يُؤَدِّ عَنْهُ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ شَيْءٌ، لَكِنْ بَرَكَةٌ مِنْ مَوْلَى الزُّبَيْرِ وَمَوْلَى الْجَمِيعِ سُبْحَانَهُ فِي مَالِ الزُّبَيْرِ فِي الغَابَةِ.
ثُمَّ لَيْسَ يُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ عَصْرًا مِنْ الأَعْصُرِ وَلَا وَقْتًا مِن الزَّمَانِ لا يَكُونُ فِيهِ مَيِّتٌ عَنْ دَيْنٍ، كَانَ لَهُ مَالٌ أَوْ لا مَالَ لَهُ، فَلَمْ يُوجَدْ فِي الإِسْلامِ خَبَرٌ صَحِيحٌ، وَلا حُكْمُ سُلْطَانٍ، بِأَدَاءِ دِيُونِ الأَمْوَاتِ مِنْ بَيْتِ الْمَالَ، وَتَرْكِ مَالِهِمْ لِوَرَثَتِهِمْ كَمَا تَأَوَّلَ ابْنُ شِهَابٍ, لَا عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ, وَلا عَنْ أَحَد الْخُلَفَاءِ الْمَرْضِيِّينَ بَعْدَهُ هَلُمَّ جَرًّا، وَفِي عُدْمِ صِحَّةِ ذَلِكَ عُدْمُ مَا تَأَوَّلَهُ, فَوَهِمَ فِيهِ عَلَى أبِي هُرَيْرَةَ أَوْ نَقَلَهُ عَنْ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute