(٢) هكذا قال البخاري: أحوط، ولم يقل منسوخ، وكذلك قال هذه الكلمة - اعني احوط - في الجمع بين حديثي انس وجرهد في كشف الفخذ، كما سيأتي. وقد استخدم البخاري لفظة منسوخ في نكاح المتعة، وقال: بينه علي أنه منسوخ، ونقلها مرة أخرى عن شيخه المديني في باب من عاد مريضا فحضرت الصلاة الباب. فمراد البخاري: أحوط في حديث الباب من أجل أن الصحابة اختلفوا في ذلك، فتأدب في العبارة، وتلطف. وقال طائفة مِن العلماء: لما اختلفت الأحاديث في هَذا وجب الأخذ بأحاديث الغسل مِن التقاء الختانين، لما فيها مِن الزيادة التي لَم يثبت لها معارض، ولم تبرأ الذمة بدون الاغتسال؛ لأنه قَد تحقق أن التقاء الختانين موجب لطهارة، ووقع التردد: هل يكفي الوضوء أو لا يكفي دونَ غسل البدن كله؟ فوجب الأخذ بالغسل؛ لأنه لا يتيقن براءة الذمة بدونه. نقله ابن رجب في الشرح ثم قال: وهذا معنى قول البخاري: الغسل أحوط، ولذلك قالَ أحمد -في رواية ابن القاسم: الأمر عندي في الجماع أن آخذ بالاحتياط فيهِ، ولا أقول: الماء مِن الماء أهـ. أما ابن العربي فقد شن حملة شعواء على البخاري، واتهمه بركوب الأمر الصعب، ومخالفة العلماء، مع أن كلام البخاري لا يدل على أنه يختار الماء من الماء، بل قال الحافظ: هو الظاهر من تصرفه فإنه لم يترجم بجواز ترك الغسل وإنما ترجم ببعض ما يستفاد من الحديث من غير هذه المسألة اهـ. يعني: أنه ذكره في بَابِ من لم ير الوضوء الا من المخرجين القبل والدبر، والله أعلم.