فَمِنْهُمْ مَنْ وَقَفَ اضْطِرابَ أَلْفَاظِهِ عَلَى أُمِّنَا عَائِشَة رَضِيَ الله عَنْهَا، وَمِنْهُمْ مَنْ جَعَلَ ذَلِكَ مِنْ قِبَلِ ضَبْطِ الرُّوَاةِ عَنْهَا، عَلَى قَدْرِ تَقَدُّمِ الْمُتَقَدِّمِ مِنْهُمْ فِي الْحِفْظِ وَالضَّبْطِ وَتَأَخُّرِهِ، وَهَذَا الْوَجْهُ كَانَ آدَبَ وَأَقْرَبَ، لَوْلَا أَنَّ اللهَ بِفَضْلِهِ قَدْ فَتَحَ لَنَا فِي تَصْحِيحِ مَعْنَاهُ عَلَى نَصِّهِ بِتَرْتِيبِهِ عَلَى مَوَاطِنِهِ وَأَوْقَاتِ إِخْبَارِهَا عَنْهُ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ جَمْعِ الرِّوَايَاتِ فِيهِ, وتَرْكِيبِهَا عَلَى لَفْظِهِ فِي الْمَواطِنِ الَّتِي ابْتَدَأَ الإحْرَامَ فِيهَا, ثُمَّ أَعْقَبَ حِينَ دَنَا مِنْ مَكّةَ بِمَا أَمَرَ بِهِ مَنْ لَمْ يَسُقِ الْهَدْيَ, إِذْ أَوْحَى الله عَزَّ وَجَلَّ إليهِ بِتَجْويزِ الاعْتِمَارِ في أَشْهرِ الْحَجِّ, فُسْحةً مِنْهُ تَعَالى لِهَذهِ الأُمَّةِ، ورَحْمةً لَهمْ بِإِسْقاطِ أَحدِ السَّفَرَيْنِ عَنْهُمْ, وَمَنَعَ عَزَّ وَجَلَّ فِي كِتَابِه مِنْ إِحْلالِ الْهَدْيِ بِقَولِهِ عَزَّ وَجَلَّ {لَا تُحِلُّوا شَعَائِرَ اللَّهِ وَلَا الشَّهْرَ الْحَرَامَ وَلَا الْهَدْيَ} فَأمَرَ عَلَيْهِ السَّلَامُ مَنْ لَمْ يَكُنِ مَعَهُ هَدْيٌ بِالإحْلَالِ بِعُمْرَة ليُريَ أُمَّتَهُ جَوَازَهَا، وَيُعرِّفَهُم بِنِعْمَةِ الله عَليهمْ بِهَا عَيَانًا، عَمَلًا بِحَضْرَتِهِ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لا خَبَرًا.
فَأَوْجَبِ الاعْتِبَارُ لِلأحَادِيثِ وَصَحَّحَ النَّظَرُ فِي إِحْرَامِه أَوَّلًا وَفِيمَا أَمَرَ بِهِ آخرًا تَخْلِيصَ الْمَعْنَى مِنْ الإِشْكَالِ بِحَمْدِ اللهِ كَمَا نُشِيرُ إِليهِ مِنْ تَرْتِيبِ ذَلِكَ عَلَى الْمَواطِنِ فِي هَذَا الْبَابِ إِنْشَاءَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ، وَلَمْ نَسْتَغْنِ عَنْ تَكْرِيرِ الْحَدِيثِ، لِكَثْرَةِ مَنْ رَوَاهُ مِنْ الصَّحَابَةِ رَضِي اللهُ عَنْهُمْ مَعْ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا، لِمَا فِي نُصُوصِ أَحَادِيثِهِمْ مِنْ مُوَافَقَة هَذَا التَّرْكِيبِ بَحَدِيثِ عَائِشَةَ، وَالشَّاهِدِ عَلَى صِحَّتِهِ، وَتَصْدِيقِ التَّرْتِيبِ فِيهِ, وَالتَّأْوِيلِ فِيهِ.
وَالرُّواةُ لِحَدِيثِ عَائِشةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا هُمْ:
عُرْوَةُ بْنُ الزُّبَيْرِ، وَالقَاسِمُ بْنُ مُحَمَّدٍ, وَالأَسْوَدُ بْنُ يَزِيدَ، وَعَمْرَةُ بِنْتُ عَبْدِالرَّحْمَنِ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute