أَوَّلِهَا: لمَ يَتَفَرَّدْ عَبْدُالوَاحِدِ بِذِكْر الإشْعَارِ عَن الأَعْمَش، بَلْ تَابَعَهُ الثِّقَةُ الْمَأمُونَ أَبُومُعَاوِيةَ، وَحَديثُه رواهُ مُسْلمٌ (٢٣٣٨) وَالنَّسَائِيُّ (٢٧٣٧) وابنُ مَاجَه (٣٠٨٧)، وَالبَيْهَقِيُّ (في السنن ٥/ ٢٣٢).ثَانيها: لم يَنْفَرِد بِهِ الأَعْمَش فَقَد رواهُ مُحَمَّدُ بْنُ جُحَادَةَ عَنْ الْحَكَمِ عَنْ إِبْرَاهِيمَ عَنْ الأَسْوَدِ عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: كُنَا نُقَلِّدُ الشَّاةَ فَيُرْسِلُ بِهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَلَالًا لَمْ يُحْرِمْ مِنْ شَيْءٍ، رواه مسلم (٢٣٣٩) والنسائي (٢٧٤٠) والبيهقي ٥/ ٢٣٣.ثَالِثِهَا: إنَّ هَذهِ الطُّرق تُبْطِلُ التَّأْويلَ الَّذِي جَنَحَ إِليهِ الْمُهَلَّبُ مِنْ أَنَّ القَلَائِدَ هِي مِنْ غَنَمٍ أَي مِنْ أَصْوَافِهِا، وَقولُ السَّيِّدَة عَائِشَةَ: مِنْ عِهْنٍ، هُو الَّذِي جَعَلَ المُهَلَّبَ يَجْنَحُ لِهَذَا التَّأْويلِ نُصْرَةً لِمْذَهبِ مَالكٍ وَمَنْ وَافَقَهُ مِنْ أَنَّ الغَنَمَ لَا تُقَلَّد.قَالَ الْحَافِظُ في الْفَتْحِ: قَالَ اِبْن الْمُنْذِر: أَنْكَرَ مَالِك وَأَصْحَابُ الرَّأْيِ تَقْلِيدَهَا، زَادَ غَيْره: وَكَأَنَّهُمْ لَمْ يُبْلُغْهُمْ الْحَدِيثُ، وَلَمْ نَجِدْ لَهُمْ حُجَّة إِلَا قَوْل بَعْضِهِمْ إِنَّهَا تَضْعُفُ عَنْ التَّقْلِيدِ، وَهِيَ حُجَّةٌ ضَعِيفَة، لِأَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْ التَّقْلِيدِ الْعَلَامَة، وَقَدْ اِتَّفَقُوا عَلَى أَنَّهَا لَا تُشْعَرُ لِأَنَّهَا تَضْعُفُ عَنْهُ، فَتُقَلَّدُ بِمَا لَا يُضْعِفُهَا، وَالْحَنَفِيَّة فِي الأَصْلِ يَقُولُونَ: لَيْسَتْ الْغَنَم مِنْ الْهَدْيِ فَالْحَدِيث حُجَّة عَلَيْهِمْ مِنْ جِهَةٍ أُخْرَى.وَقَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: اِحْتَجَّ مَنْ لَمْ يَرَ بِإِهْدَاء الْغَنَم بِأَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَجَّ مَرَّة وَاحِدَة وَلَمْ يُهْدِ فِيهَا غَنَمًا اِنْتَهَى.وَمَا أَدْرِي مَا وَجْهُ الْحُجَّةِ مِنْهُ لِأَنَّ حَدِيثَ الْبَاب دَالّ عَلَى أَنَّهُ أَرْسَلَ بِهَا وَأَقَامَ وَكَانَ ذَلِكَ قَبْلَ حَجَّتِهِ قَطْعًا فَلَا تَعَارُضَ بَيْنَ الْفِعْلِ وَالتَّرْكِ لِأَنَّ مُجَرَّدَ التَّرْكِ لَا يَدُلُّ عَلَى نَسْخ الْجَوَاز.ثُمَّ مَنْ الَّذِي صَرَّحَ مِنْ الصَّحَابَةِ بِأَنَّهُ لَمْ يَكُنْ فِي هَدَايَاهُ فِي حَجَّتِهِ غَنَمٌ حَتَّى يَسُوغَ الِاحْتِجَاجُ بِذَلِكَ أهـ.وقَالَ النووي: وَأَمَّا تَقْلِيد الْغَنَم فَهُوَ مَذْهَبنَا وَمَذْهَب الْعُلَمَاء كَافَّة مِنْ السَّلَف وَالْخَلَف إِلَا مَالِكًا فَإِنَّهُ لَا يَقُول بِتَقْلِيدِهَا أهـ.رابِعِهَا: إِنَّ مِن السَّلَفِ مِنْ كَانَ يُقَلِّدُ الغَنَمَ وَيُرسِلُ بِهَا إلى الْحَرَمِ، وَهُم جَمَاعَةٌ كَثيرة أَسْنَدَ الرِّوَايَاتِ عَنْهم ابْنُ أبِي شَيْبَة في الْمُصَنَّفِ، بَابُ تَقْلِيدِ الْغَنَمِ، وَالله الْمُوَفِّقُ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute