قَالَ عَبْدُ الله: فَجَعَلَ يُوصِينِي بِدَيْنِهِ, وَيَقُولُ: يَا بُنَيِّ, إِنْ عَجَزْتَ عَنْ شَيْءٍ منهُ فَاسْتَعِنْ عَلَيْهِ مَوْلَايَ, قَالَ: فَوَالله مَا دَرَيْتُ مَا أَرَادَ, حَتَّى قُلْتُ: يَا أَبَةِ مَنْ مَوْلَاكَ؟ قَالَ: الله عَزَّ وَجَلَّ, قَالَ: فَوَالله مَا وَقَعْتُ فِي كُرْبَةٍ مِنْ دَيْنِهِ إِلَا قُلْتُ: يَا مَوْلَى الزُّبَيْرِ اقْضِ عَنْهُ دَيْنَهُ فَيَقْضِيهِ, فَقُتِلَ الزُّبَيْرُ وَلَمْ يَدَعْ دِينَارًا وَلَا دِرْهَمًا, إِلَا أَرَضِينَ مِنْهَا الْغَابَةُ, وَأَحَدَ عَشَرَ (١) دَارًا بِالْمَدِينَةِ، وَدَارَيْنِ بِالْبَصْرَةِ, وَدَارًا بِالْكُوفَةِ, وَدَارًا بِمِصْرَ.
قَالَ: وَإِنَّمَا كَانَ دَيْنُهُ الَّذِي كَانَ عَلَيْهِ أَنَّ الرَّجُلَ يَأْتِيهِ بِالْمَالِ فَيَسْتَوْدِعُهُ إِيَّاهُ, فَيَقُولُ الزُّبَيْرُ: لَا وَلَكِنَّهُ سَلَفٌ، فَإِنِّي أَخْشَى عَلَيْهِ الضَّيْعَةَ، وَمَا وَلِيَ إِمَارَةً قَطُّ وَلَا جِبَايَةَ خَرَاجٍ وَلَا شَيْئًا, إِلَا أَنْ يَكُونَ فِي غَزْوَةٍ مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أَوْ مَعَ أبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ وَعُثْمَانَ.
قَالَ عَبْدُ الله بْنُ الزُّبَيْرِ: فَحَسَبْتُ مَا عَلَيْهِ مِنْ الدَّيْنِ فَوَجَدْتُهُ أَلْفَيْ أَلْفٍ وَمِائَتَيْ أَلْفٍ, قَالَ: فَلَقِيَ حَكِيمُ بْنُ حِزَامٍ عَبْدَ الله بْنَ الزُّبَيْرِ, فَقَالَ: يَا ابْنَ أَخِي, كَمْ عَلَى أَخِي مِنْ الدَّيْنِ؟ فَكَتَمَهُ, وَقَالَ: مِائَةُ أَلْفٍ، فَقَالَ حَكِيمٌ: وَالله مَا أُرَى أَمْوَالَكُمْ تَسَعُ لِهَذِهِ, فَقَالَ عَبْدُ الله: أَفَرَأَيْتَكَ إِنْ كَانَتْ أَلْفَيْ أَلْفٍ وَمِائَتَيْ أَلْفٍ, فقَالَ: مَا أُرَاكُمْ تُطِيقُونَ هَذَا, فَإِنْ عَجَزْتُمْ عَنْ شَيْءٍ مِنْهُ فَاسْتَعِينُوا بِي.
قَالَ: وَكَانَ الزُّبَيْرُ اشْتَرَى الْغَابَةَ بِسَبْعِينَ وَمِائَةِ أَلْفٍ, فَبَاعَهَا عَبْدُ الله بِأَلْفِ أَلْفٍ وَسِتِّ مِائَةِ أَلْفٍ, ثُمَّ قَامَ فَقَالَ: مَنْ كَانَ لَهُ عَلَى الزُّبَيْرِ حَقٌّ فَلْيُوَافِنَا بِالْغَابَةِ, فَأَتَاهُ عَبْدُ الله بْنُ جَعْفَرٍ, وَكَانَ لَهُ عَلَى الزُّبَيْرِ أَرْبَعُ مِائَةِ أَلْفٍ, فَقَالَ لِعَبْدِ الله: إِنْ شِئْتُمْ تَرَكْتُهَا لَكُمْ, قَالَ عَبْدُ الله: لَا, قَالَ: إِنْ شِئْتُمْ جَعَلْتُمُوهَا فِيمَا تُؤَخِّرُونَ إِنْ
(١) كذا فِي الأَصْلِ، وفي الصحيح: وَإِحْدَى عَشْرَةَ.