للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قال الطبري: مَعْنَى الْكَلَامِ: فمن كفر بعد ذلك منكم فقد ضل سواء السبيل , فنقضوا الميثاق , فلعنتهم , فبما نقضهم ميثاقهم لعناهم , فاكتفى بقوله: فبما نقضهم ميثاقهم [النساء: ١٥٥] من ذكر فنقضوا (١).

قال ابن كثير: أي: فبسبب نقضهم الميثاق الذي أخذ عليهم لعناهم، أي أبعدناهم عن الحق وطردناهم عن الهدى (٢).

- وقوله تعالى: إِنَّ الَّذِينَ يُبايِعُونَكَ إِنَّما يُبايِعُونَ اللَّهَ يَدُ اللَّهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ فَمَنْ نَكَثَ فَإِنَّما يَنْكُثُ عَلى نَفْسِهِ وَمَنْ أَوْفى بِما عاهَدَ عَلَيْهُ اللَّهَ فَسَيُؤْتِيهِ أَجْراً عَظِيماً [الفتح: ١٠].

قال ابن كثير: إنما يعود وبال ذلك على الناكث، والله غني عنه (٣).

قال السمرقندي: فمن نكث يعني: نقض العهد، والبيعة فإنما ينكث على نفسه يعني: عقوبته على نفسه (٤).

وقال ابن عطية: أنّ من نكث يعني من نقض هذا العهد فإنّما يجني على نفسه، وإيّاها يهلك، فنكثه عليه لا له (٥).

ذم نقض العهد والنهي عنه من السنة:

- عن علي رضي الله عنه قال: ما عندنا شيء إلا كتاب الله وهذه الصحيفة عن النبي صلى الله عليه وسلم وفيها: ((ذمة المسلمين واحدة، فمن أخفر مسلما فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين، لا يقبل منه صرفٌ ولا عدل)) (٦).

قال النووي رحمه الله: (قوله صلى الله عليه وسلم: ((ذمّة المسلمين واحدة يسعى بها أدناهم)) المراد بالذمة هنا الأمان. معناه: أن أمان المسلمين للكافر صحيح، فإذا أمّنه به أحد المسلمين حرُم على غيره التعرُّض له ما دام في أمان المسلم، وللأمان شروط معروفة ... وقوله صلى الله عليه وسلم: ((فمن أخفر مسلمًا فعليه لعنة الله)) معناه: من نقض أمانَ مسلم فتعرّض لكافر أمَّنه مسلم، قال أهل اللغة: يقال: أخفرتُ الرجل إذا نقضتُ عهده، وخفرته إذا أمَّنته) (٧).

وقال ابن حجر رحمه الله: (قوله: ((ذمّة المسلمين واحدة)) أي: أمانهم صحيح، فإذا أمَّن الكافرَ واحدٌ منهم حرُم على غيره التعرّض له ... وقوله: ((يسعى بها)) أي: يتولاها ويذهب ويجيء، والمعنى: أن ذمّة المسلمين سواء صدرت من واحد أو أكثر، شريف أو وضيع، فإذا أمّن أحد من المسلمين كافرا وأعطاه ذمّةً لم يكن لأحد نقضه، فيستوي في ذلك الرجل والمرأة والحرّ والعبد؛ لأن المسلمين كنفس واحدة ... وقوله: ((فمن أخفر)) بالخاء المعجمة والفاء أي: نقض العهد، يقال: خفرته بغير ألف أمّنته، وأخفرته نقضت عهده) (٨).

قال ابن تيمية: جاء الكتاب والسنة بالأمر بالوفاء بالعهود والشروط والمواثيق والعقود وبأداء الأمانة ورعاية ذلك والنهي عن الغدر ونقض العهود والخيانة والتشديد على من يفعل ذلك (٩)


(١) ((جامع البيان في تأويل آي القرآن)) للطبري (٨/ ٢٤٨).
(٢) ((تفسير القرآن العظيم)) (٣/ ٦٦).
(٣) ((تفسير القرآن العظيم)) (٧/ ٣٣٠).
(٤) ((بحر العلوم)) للسمرقندي (٣/ ٣١٤).
(٥) ((المحرر الوجيز)) (٥/ ١٢٩).
(٦) رواه البخاري (١٨٧٠).
(٧) ((شرح صحيح مسلم)) (٩/ ١٤٤ - ١٤٥).
(٨) ((فتح الباري)) (٤/ ٨٦).
(٩) ((مجموع الفتاوى)) (٢٩/ ١٤٥ - ١٤٦).

<<  <  ج: ص:  >  >>