للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قال ابن حجر: (إن الذي فعله الخضر ليس في شيء منه ما يناقض الشرع فإن نقض لوح من ألواح السفينة لدفع الظالم عن غصبها ثم إذا تركها أعيد اللوح جائز شرعا وعقلا ولكن مبادرة موسى بالإنكار بحسب الظاهر وقد وقع ذلك واضحا في رواية أبي إسحاق التي أخرجها مسلم ولفظه فإذا جاء الذي يسخرها فوجدها منخرقة تجاوزها فأصلحها فيستفاد منه وجوب التأني عن الإنكار في المحتملات) (١).

٦ - التأني في التحدث مع الآخرين:

عن أم المؤمنين عائشة رضي الله تعالى عنها قالت: ((إن النبي صلى الله عليه وسلم كان يحدث حديثا لو عده العاد لأحصاه)) (٢). وفي لفظ: ((إن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يكن يسرد الحديث كسردكم)) (٣).

قال بدر الدين العيني: (لم يكن يسرد أي: لم يكن يتابع الحديث استعجالا، أي: كان يتكلم بكلام متتابع مفهوم واضح على سبيل التأني لئلا يلتبس على المستمع) (٤).

٧ - عند الفصل في المنازعات وإنزال العقوبات:

ففي قصة أمير المؤمنين عمر في قضائه بين علي بن أبي طالب والعباس رضي الله عنهما في فيء الرسول صلى الله عليه وسلم من بني النضير قال لهما عمر رضي الله عنه: (اتئدوا) (٥).

قال ابن حجر: (قوله اتئدوا المراد التأني والرزانة) (٦).

وقال أبو عثمان بن الحداد: (القاضي شأنه الأناة والتثبيت ومن تأنى وتثبت تهيأ له من الصواب ما لا يتهيأ لصاحب البديهة) (٧).

وقال مالك بن أنس: (العجلة في الفتوى نوع من الجهل والخرق، قال: وكان يقال: التأني من الله والعجلة من الشيطان) (٨).

وقال الأصفهاني: (قال بعضهم: ينبغي للسلطان أن يؤخر العقوبة حتى ينقضي سلطان غضبه، ويعجل مكافأة المحسن، ويستعمل الأناة فيما يحدث، ففي تأخير العقوبة إمكان العفو إن أحب ذلك، وفي تعجيل المكافأة بالإحسان مسارعة الأولياء إلى الطاعة) (٩).

أسباب الوقوع في عدم التأني

١ - الغضب والحزن الشديد:

روى ابن عباس عن أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنهم في قصة اعتزال النبي صلى الله عليه وسلم نساءه وفيه: ((اعتزل النبي صلى الله عليه وسلم أزواجه فقلت: خابت حفصة وخسرت ... فخرجت فجئت إلى المنبر، فإذا حوله رهط يبكي بعضهم، فجلست معهم قليلا، ثم غلبني ما أجد، فجئت المشربة التي فيها النبي صلى الله عليه وسلم، فقلت لغلام له أسود: استأذن لعمر)) (١٠).

قال ابن حجر: (الغضب والحزن يحمل الرجل الوقور على ترك التأني المألوف منه لقول عمر ثم غلبني ما أجد ثلاث مرات) (١١).

وقال ابن الجوزي: (أشد الناس تفريطا من عمل مبادرة في واقعة، من غير تثبت ولا استشارة، خصوصا فيما يوجبه الغضب، فإنه طلب الهلاك أو الندم العظيم. وكم مَن غَضب فقتل، وضرب، ثم لما سكن غضبه؛ بقي طول دهره في الحزن والبكاء والندم! والغالب في القاتل أنه يقتل، فتفوته الدنيا والآخرة) (١٢).

٢ - استعجال نتائج الأمور:

٣ - التفريط:

وذلك إذا فرط المرء فيما ينبغي عليه القيام به فإنه يضطر للقيام به على وجه السرعة والعجلة حتى يتدارك الأمر فيسبب له نتائج سلبية.


(١) ((فتح الباري شرح صحيح البخاري)) لابن حجر (١/ ٢٢٢)
(٢) رواه البخاري (٣٥٦٧)، ومسلم (٢٤٩٣).
(٣) رواه البخاري (٣٥٦٨)، ومسلم (٢٤٩٣).
(٤) ((عمدة القاري شرح صحيح البخاري)) لبدر الدين العيني (١٦/ ١١٥)
(٥) رواه البخاري (٤٠٣٣).
(٦) ((فتح الباري شرح صحيح البخاري)) لابن حجر (١/ ٩١)
(٧) ((جامع بيان العلم وفضله)) لابن عبد البر (٢/ ١١٢٧)
(٨) ((إعلام الموقعين)) لابن القيم (٢/ ١٢٨)
(٩) ((الذريعة إلي مكارم الشريعة)) للراغب الأصفهاني (١/ ٢٤٢)
(١٠) رواه البخاري (٥١٩١).
(١١) ((فتح الباري شرح صحيح البخاري)) لابن حجر (٩/ ٢٧٩) والحديث أخرجه البخاري (٥١٩١).
(١٢) ((صيد الخاطر)) لابن الجوزي (١/ ٣٨٥).

<<  <  ج: ص:  >  >>