للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

تأنى نبي الله يوسف عليه الصلاة والسلام من الخروج من السجن حتى يتحقق الملك ورعيته براءة ساحته، ونزاهة عرضه، وامتنع عن المبادرة إلى الخروج ولم يستعجل في ذلك.

قال تعالى: وَقَالَ الْمَلِكُ ائْتُونِي بِهِ فَلَمَّا جَاءهُ الرَّسُولُ قَالَ ارْجِعْ إِلَى رَبِّكَ فَاسْأَلْهُ مَا بَالُ النِّسْوَةِ اللاَّتِي قَطَّعْنَ أَيْدِيَهُنَّ إِنَّ رَبِّي بِكَيْدِهِنَّ عَلِيمٌ [يوسف: ٥٠].

قال ابن عطية: (هذا الفعل من يوسف عليه السلام أناة وصبرا وطلبا لبراءة الساحة) (١)

نماذج للتأني من سير الصحابة رضي الله عنهم

- تأني أبي ذر الغفاري في قصة إسلامه:

قال ابن عباس: (لما بلغ أبا ذر مبعث النبي صلى الله عليه وسلم بمكة قال لأخيه: اركب إلى هذا الوادي، فاعلم لي علم هذا الرجل الذي يزعم أنه يأتيه الخبر من السماء، فاسمع من قوله ثم ائتني، فانطلق الآخر حتى قدم مكة، وسمع من قوله، ثم رجع إلى أبي ذر فقال: رأيته يأمر بمكارم الأخلاق، وكلاما ما هو بالشعر، فقال: ما شفيتني فيما أردت فتزود وحمل شنة له، فيها ماء حتى قدم مكة، فأتى المسجد فالتمس النبي صلى الله عليه وسلم ولا يعرفه، وكره أن يسأل عنه، حتى أدركه - يعني الليل - فاضطجع، فرآه علي فعرف أنه غريب، فلما رآه تبعه، فلم يسأل واحد منهما صاحبه عن شيء، حتى أصبح، ثم احتمل قربته وزاده إلى المسجد، فظل ذلك اليوم، ولا يرى النبي صلى الله عليه وسلم، حتى أمسى، فعاد إلى مضجعه، فمر به علي، فقال: ما آن للرجل أن يعلم منزله؟ فأقامه، فذهب به معه، ولا يسأل واحد منهما صاحبه عن شيء، حتى إذا كان يوم الثالث فعل مثل ذلك، فأقامه علي معه، ثم قال له: ألا تحدثني؟ ما الذي أقدمك هذا البلد؟ قال: إن أعطيتني عهدا وميثاقا لترشدني، فعلت، ففعل. فأخبره فقال: فإنه حق وهو رسول الله صلى الله عليه وسلم، فإذا أصبحت فاتبعني، فإني إن رأيت شيئا أخاف عليك، قمت كأني أريق الماء، فإن مضيت فاتبعني حتى تدخل مدخلي، ففعل، فانطلق يقفوه، حتى دخل على النبي صلى الله عليه وسلم ودخل معه، فسمع من قوله، وأسلم مكانه) (٢).

فنجد في هذه القصة أن أبا ذر رضي الله عنه لم يظهر ما يريده حتى يتحصل على بغيته وقد تأنى رضي الله عنه في البحث عن النبي صلى الله عليه وسلم والسؤال عنه حتى لا تعلم به قريش وتثنيه عن هدفه الذي من أجله تحمل المشاق والمتاعب.


(١) ((المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز)) لابن عطية (٣/ ٢٥٢)
(٢) رواه مسلم (٢٤٧٤).

<<  <  ج: ص:  >  >>