للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قال ابن كثير: (يخبر تعالى أن الدار الآخرة ونعيمها المقيم الذي لا يحول ولا يزول، جعلها لعباده المؤمنين المتواضعين، الذِينَ لا يُرِيدُونَ عُلُوًّا فِي الأرْضِ، أي: ترفعًا على خلق الله وتعاظمًا عليهم وتجبرًا بهم، ولا فسادًا فيهم) (١).

الترغيب والحث على التواضع من السنة

رغب الإسلام في التواضع وحث عليه ابتغاء مرضات الله، وأن من تواضع جازاه الله على تواضعه بالرفعة، وقد وردت نصوص من السنة النبوية تدل على ذلك:

- منها قوله صلى الله عليه وسلم: ((ما نقصت صدقة من مال، وما زاد الله عبدا بعفو إلا عزا، وما تواضع أحد لله إلا رفعه الله)) (٢).

قال القاضي عياض في قوله صلى الله عليه وسلم ((وما تواضع أحد لله إلا رفعه الله)) (٣): (فيه وجهان: أحدهما: أن الله تعالى يمنحه ذلك في الدنيا جزاء على تواضعه له، وأن تواضعه يثبت له في القلوب محبة ومكانة وعزة.

والثاني: أن يكون ذلك ثوابه في الآخرة على تواضعه) (٤).

- وعن عياض بن حمار رضي الله عنه قال: قال: رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((إن الله أوحى إلي أن تواضعوا حتى لا يفخر أحد على أحد، ولا يبغي أحد على أحد)) (٥).

قال ابن عثيمين: (يعني: أن يتواضع كل واحد للآخر ولا يترفع عليه، بل يجعله مثله أو يكرمه أكثر، وكان من عادة السلف رحمهم الله، أن الإنسان منهم يجعل من هو أصغر منه مثل ابنه ومن هو أكبر مثل أبيه ومن هو مثله مثل أخيه، فينظر إلى ما هو أكبر منه نظرة إكرام وإجلال وإلى من هو دونه نظرة إشفاق ورحمة، وإلى من هو مثله نظرة مساواة، فلا يبغي أحد على أحد وهذا من الأمور التي يجب على الإنسان أن يتصف بها، أي بالتواضع لله عز وجل ولإخوانه من المسلمين) (٦).

- وعن أبي هريرة- رضي الله عنه- عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((ما من امرئ إلا وفي رأسه حكمة والحكمة بيد ملك إن تواضع قيل للملك: ارفع الحكمة، وإن أراد أن يرفع قيل للملك: ضع الحكمة أو حكمته)) (٧).

- وعن معاذ بن أنس الجهني- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: ((من ترك اللّباس تواضعا لله، وهو يقدر عليه دعاه الله يوم القيامة على رءوس الخلائق حتّى يخيّره من أيّ حلل الإيمان شاء يلبسها)) (٨).

قال ابن عثيمين: (وهذا يعني أن الإنسان إذا كان بين أناس متوسطي الحال لا يستطيعون اللباس الرفيع فتواضع وصار يلبس مثلهم، لئلا تنكسر قلوبهم، ولئلا يفخر عليهم، فإنه ينال هذا الأجر العظيم أما إذا كان بين أناس قد أنعم عليهم ويلبسون الثياب الرفيعة لكنها غير محرمة، فإن الأفضل أن يلبس مثلهم لأن الله تعالى جميل يحب الجمال ولاشك أن الإنسان إذا كان بين أناس رفيعي الحال يلبسون الثياب الجميلة ولبس دونهم فإن هذا يعد لباس شهرة فالإنسان ينظر ما تقتضيه الحال) (٩).


(١) ((تفسير القرآن العظيم)) لابن كثير (٦/ ٢٥٨)
(٢) رواه مسلم (٢٥٨٨) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.
(٣) رواه مسلم (٢٥٨٨) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.
(٤) ((إكمال المعلم شرح صحيح مسلم)) للقاضي عياض (٨/ ٥٩).
(٥) رواه مسلم (٢٨٦٥) من حديث عياض بن حمار رضي الله عنه.
(٦) ((شرح رياض الصالحين)) لابن عثيمين (٣/ ٥٢٤).
(٧) رواه البزار في ((كشف الأستار)) (٤/ ٢٢٣) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه. وقال: لا نعلمه رواه عن علي عن سعيد عن أبي هريرة إلا المنهال. وحسن إسناده الهيثمي في ((مجمع الزوائد)) (٨/ ٨٦).
(٨) رواه الترمذي (٢٤٨١) من حديث معاذ بن أنس رضي الله عنه. وحسنه، وصححه السيوطي في ((الجامع الصغير)) (٨٥٨٤)، وصححه الألباني في ((صحيح الجامع)) (٦١٤٥).
(٩) ((شرح رياض الصالحين)) لابن عثيمين (٤/ ٣١٧ - ٣١٨).

<<  <  ج: ص:  >  >>