للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

والحال أن الرجولة تختلف .. فإن صفة الرجولة في القرآن الكريم سيقت مساق المدح في مواضع عدة:

فِيهِ رِجَالٌ يُحِبُّونَ أَن يَتَطَهَّرُواْ [التوبة: ١٠٨].

فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَن تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ يُسَبِّحُ لَهُ فِيهَا بِالْغُدُوِّ وَالآصَالِ رِجَالٌ لاَّ تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلا بَيْعٌ عَن ذِكْرِ اللَّهِ وَإِقَامِ الصَّلاةِ وَإِيتَاء الزَّكَاةِ يَخَافُونَ يَوْمًا تَتَقَلَّبُ فِيهِ الْقُلُوبُ وَالأَبْصَارُ [النور: ٣٦ - ٣٧].

وقد يعبر بالرجولة عن الفحولة والذكورية فحسب كما في مواضع أخرى: وَأَنَّهُ كَانَ رِجَالٌ مِّنَ الإِنسِ يَعُوذُونَ بِرِجَالٍ مِّنَ الْجِنِّ [الجن: ٦].

فالرجال ليسوا سواء، وأين الثرى من الثريا؟!

ولربما رأيت طويلب علم لا يحفظ من القرآن إلا اليسير، ولا يكاد يحفظ حديثاً من البخاري أو مسلم بحروفه، فضلاً عن سنده ومعناه. ومع هذا قد يقف أمام جهابذة العلماء وكأنه أبو حنيفة أو الشافعي! وهجيراه أن يقول: أرى، وأنا، وقلت، وعندي!

يقولون: هذا عندنا غير جائز!! ... ومن أنتم حتى يكون لكم (عندُ)!!

جلس الشافعي ذات يوم مع تلميذه أحمد بن حنبل، فنظر إليه وقال:

أحب الصالحين ولست منهم ... لعلي أن أنال بهم شفاعه

وأكره من تجارتهم معاصي ... وإن كنا سوياً في البضاعة

فنظر إليه تلميذه أحمد ثم قال:

تحب الصالحين وأنت منهم ... ومنكم سوف يلقون الشفاعة

وتكره من تجارتهم معاصي ... وقاك الله من شر البضاعة.

٣ - التواضع مع الناس:

فالمسلم يخالط الناس ويدعوهم إلى الخير، وإلى الأخلاق الإسلامية، ومن طبيعة الناس أنهم لا يقبلون قول من يعظم نفسه ويحقرهم، ويرفع نفسه ويضعهم، وإن كان ما يقوله حقا، بل عليه أن يعرف أن جميع ما عنده هو فضل من الله، فالمسلم المتواضع هو الذي لا يعطي لنفسه حظاً في كلامه مع الآخرين، ومن تواضع المسلم مع الناس أن يجالس كل طبقات المجتمع، ويكلم كلا بما يفهمه، ويجالس الفقراء والأغنياء.

يقول تعالى: وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُم بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ وَلا تَعْدُ عَيْنَاكَ عَنْهُمْ تُرِيدُ زِينَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَلا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَن ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطًا [الكهف: ٢٨].

٤ - التواضع مع الأقران:

ومن التواضع أن يتواضع المرء مع أقرانه، وكثيراً ما تثور بين الأقران والأنداد روح المنافسة والتحاسد، وربما استعلى الإنسان على قرينه، وربما فرح بالنيل منه، والحط من قدره وشأنه، وعيبه بما ليس فيه، أو تضخيم ما فيه، وقد يظهر ذلك بمظهر النصيحة والتقويم وإبداء الملاحظات، ولو سمى الأمور بأسمائها الحقيقة لقال: الغيرة.

٥ - تواضع الإنسان مع من هو دونه:

ومن التواضع: التواضع مع من هو دونك، فإذا وجدت أحداً أصغر منك سناً، أو أقل منك قدراً فلا تحقره، فقد يكون أسلم منك قلباً، أو أقل منك ذنباً، أو أعظم منك إلى الله قرباً.

حتى لو رأيت إنساناً فاسقاً وأنت يظهر عليك الصلاح فلا تستكبر عليه، واحمد الله على أن نجاك مما ابتلاه به، وتذكر أنه ربما يكون في عملك الصالح رياء أو عجب يحبطه، وقد يكون عند هذا المذنب من الندم والانكسار والخوف من خطيئته ما يكون سبباً في غفران ذنبه.

عن جندب رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم حدث ((أن رجلاً قال: والله لا يغفر الله لفلان، وأن الله تعالى قال: من ذا الذي يتألى علي أن لا أغفر لفلان؟ فإني قد غفرت لفلان وأحبطت عملك)) (١).


(١) رواه مسلم (٢٦٢١) من حديث جندب بن عبد الله رضي الله عنه.

<<  <  ج: ص:  >  >>