للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

- وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: ((الْإِيمَانُ بِضْعٌ وَسَبْعُونَ -أَوْ بِضْعٌ وَسِتُّونَ- شُعبة، أَعْلَاهَا: قَوْلُ: لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ. وَأَدْنَاهَا: إِمَاطَةُ الْأَذَى عن الطريق. والحياء شعبة من الإيمان)) (١).

قال الخطابي: (ومعنى قوله الحياء شعبة من الإيمان أن الحياء يقطع صاحبه عن المعاصي ويحجزه عنها فصار بذلك من الإيمان) (٢).

وقال السفيري: (إنما أفرد - صلى الله عليه وسلم - هذه الخصلة من خصال الإيمان في هذا الحديث وخصها بالذكر دون غيرها من باقي شعب الإيمان، لأن الحياء كالداعي إلى باقي الشعب، فإن صاحب الحياء يخاف فضيحة الدنيا والآخرة فيأتمر وينزجر، فلما كان الحياء كالسبب لفعل باقي الشعب خص بالذكر ولم يذكر غيره معه) (٣).

وقال الشيخ عبدالرحمن السعدي: (هذا الحديث من جملة النصوص الدالة على أن الإيمان اسم يشمل عقائد القلب وأعماله، وأعمال الجوارح، وأقوال اللسان فكل ما يقرب إلى الله، وما يحبه ويرضاه، من واجب ومستحب فإنه داخل في الإيمان. وذكر هنا أعلاه وأدناه، وما بين ذلك وهو الحياء ولعل ذكر الحياء؛ لأنه السبب الأقوى للقيام بجميع شعب الإيمان. فإن من استحيا من الله لتواتر نعمه، وسوابغ كرمه، وتجليه عليه بأسمائه الحسنى، والعبد -مع هذا كثير التقصير مع هذا الرب الجليل الكبير يظلم نفسه ويجني عليها- أوجب له هذا الحياء التوقِّي من الجرائم، والقيام بالواجبات والمستحبات) (٤).

- وعن عمران بن حصين- رضي الله عنهما- قال: قال النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم: ((الحياء لا يأتي إلّا بخير)) (٥).

قال ابن بطال: (معناه أن من استحيا من الناس أن يروه يأتى الفجور ويرتكب المحارم، فذلك داعية له إلى أن يكون أشد حياء من ربه وخالقه، ومن استحيا من ربه فإن حياءه زاجر له عن تضييع فرائضه وركوب معاصيه؛ لأن كل ذى فطرة صحيحة يعلم أن الله تعالى النافع له والضار والرزاق والمحى والمميت، فإذا علم ذلك فينبغى له أن يستحى منه عز وجل) (٦).

قال ابن رجب: («الْحَيَاءُ لَا يَأْتِي إِلَّا بِخَيْرٍ»: فَإِنَّهُ يَكُفُّ عَنِ ارْتِكَابِ الْقَبَائِحِ وَدَنَاءَةِ الْأَخْلَاقِ، وَيَحُثُّ عَلَى اسْتِعْمَالِ مَكَارِمِ الْأَخْلَاقِ وَمَعَالِيهَا، فَهُوَ مِنْ خِصَالِ الْإِيمَانِ بِهَذَا الِاعْتِبَارِ) (٧).

- ومَرَّ النَّبِى عليه السلام عَلَى رَجُلٍ، وَهُوَ يُعَاتِبُ أَخَاهُ فِى الْحَيَاءِ، يَقُولُ: إِنَّكَ لَتَسْتَحْيِى حَتَّى كَأَنَّهُ يَقُولُ: قَدْ أَضَرَّ بِكَ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: ((دَعْهُ، فَإِنَّ الْحَيَاءَ مِنَ الإيمَانِ)) (٨).


(١) [٩٧٣]- رواه مسلم (٣٥) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.
(٢) [٩٧٤]- ((معالم السنن)) للخطابي (٤/ ٣١٢).
(٣) [٩٧٥]- ((المجالس الوعظية في شرح أحاديث خير البرية صلى الله عليه وسلم من صحيح الإمام البخاري)) للسفيري (١/ ٣٦٥).
(٤) [٩٧٦]- ((بهجة قلوب الأبرار وقرة عيون الأخيار في شرح جوامع الأخبار)) لعبد الرحمن السعدي (ص١٧٩).
(٥) [٩٧٧]- رواه البخاري (٦١١٧)، ومسلم (٣٧) من حديث عمران بن حصين رضي الله عنه.
(٦) [٩٧٨]- ((شرح صحيح البخاري)) لابن بطال (٩/ ٢٩٧).
(٧) [٩٧٩]- ((جامع العلوم والحكم)) لابن رجب (١/ ٥٠١).
(٨) [٩٨٠]- رواه البخاري (٢٤) من حديث عبد الله بن عمر رضي الله عنهما.

<<  <  ج: ص:  >  >>