للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قال ابن بطال: (معناه أن الحياء من أسباب الإيمان وأخلاق أهله. وذلك أنه لما كان الحياء يمنع من الفواحش، ويحمل على الصبر والخير كما يمنع الإيمان صاحبه من الفجور، ويقيده عن المعاصى ويحمله على الطاعة صار كالإيمان لمساواته له فى ذلك، وإن كان الحياء غريزة والإيمان فعل المؤمن فاشتبها من هذه الجهة) (١).

وقال العيني: (قَوْله: (فَإِن الْحيَاء من الْإِيمَان) أَي: من كَمَال الْإِيمَان، قَالَه أَبُو عبد الْملك، وَقَالَ الْهَرَوِيّ: جعل الْحيَاء وَهُوَ غريزة من الْإِيمَان وَهُوَ الِاكْتِسَاب لِأَن المستحي يَنْقَطِع بحيائه عَن الْمعاصِي، وَإِن لم يكن لَهُ نِيَّة فَصَارَ كالإيمان الْقَاطِع بَينه وَبَينهَا) (٢).

- وعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- ((اسْتَحْيُوا مِنَ اللَّهِ حَقَّ الْحَيَاءِ. قَالَ قُلْنَا يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّا لَنَسْتَحْيِي وَالْحَمْدُ لِلَّهِ. قَالَ لَيْسَ ذَاكَ وَلَكِنَّ الاِسْتِحْيَاءَ مِنَ اللَّهِ حَقَّ الْحَيَاءِ أَنْ تَحْفَظَ الرَّأْسَ وَمَا وَعَى وَتَحْفَظَ الْبَطْنَ وَمَا حَوَى وَتَتَذَكَّرَ الْمَوْتَ وَالْبِلَى وَمَنْ أَرَادَ الآخِرَةَ تَرَكَ زِينَةَ الدُّنْيَا فَمَنْ فَعَلَ ذَلِكَ فَقَدِ اسْتَحْيَا مِنَ اللَّهِ حَقَّ الْحَيَاءِ)) (٣).

قال ابن رجب: (يدخل فيه حفظ السمع والبصر واللسان من المحرمات، وحفظ البطن وما حوى: يتضمن حفظ القلب عنا لإصرار على ما حرم الله ويتضمن أيضًا حفظ البطن من إدخال الحرام إليه من المآكل والمشارب، ومن أعظم ما يجب حفظه من نواهي الله - عز وجل - اللسان والفرج) (٤).

وقال المباركفوري في شرح الحديث:

(قوله ((استحيوا من الله حق الحياء)) (٥) أي حياء ثابتا ولازما صادقا قاله المناوي وقيل أي اتقوا الله حق تقاته.

(قلنا يا نبي الله إنا لنستحيي) لم يقولوا حق الحياء اعترافا بالعجز عنه.

(والحمد لله) أي على توفيقنا به.

(قال ليس ذاك) أي ليس حق الحياء ما تحسبونه بل أن يحفظ جميع جوارحه عما لا يرضى.

(ولكن الاستحياء من الله حق الحياء أن تحفظ الرأس) أي عن استعماله في غير طاعة الله بأن لا تسجد لغيره ولا تصلي للرياء ولا تخضع به لغير الله ولا ترفعه تكبرا.

(وما وعى) أي جمعه الرأس من اللسان والعين والأذن عما لا يحل استعماله.

(وتحفظ البطن) أي عن أكل الحرام.

(وما حوى) أي ما اتصل اجتماعه به من الفرج والرجلين واليدين والقلب فإن هذه الأعضاء متصلة بالجوف وحفظها بأن لا تستعملها في المعاصي بل في مرضاة الله تعالى.

(وتتذكر الموت والبلى) بكسر الباء من بلى الشيء إذا صار خلقا متفتتا يعني تتذكر صيرورتك في القبر عظاما بالية.

(ومن أراد الآخرة ترك زينة الدنيا) فإنهما لا يجتمعان على وجه الكمال حتى للأقوياء قاله القاري.

وقال المناوي لأنهما ضرتان فمتى أرضيت إحداهما أغضبت الأخرى). (٦).


(١) [٩٨١]- ((شرح صحيح البخاري)) لابن بطال (٩/ ٢٩٨).
(٢) [٩٨٢]- ((عمدة القاري شرح صحيح البخاري)) للعيني (٢٢/ ١٦٥).
(٣) [٩٨٣]- رواه الترمذي (٢٤٥٨) من حديث عبد الله بن مسعود رضي الله عنه. وقال: غريب. وحسن إسناده النووي في ((المجموع)) (٥/ ١٠٥)، وحسنه الألباني في ((صحيح الترمذي)) (٢٤٥٨).
(٤) [٩٨٤]- ((جامع العلوم والحكم)) (ص٤٦٤).
(٥) [٩٨٥]- رواه الترمذي (٢٤٥٨) من حديث عبد الله بن مسعود رضي الله عنه. وقال: غريب. وحسن إسناده النووي في ((المجموع)) (٥/ ١٠٥)، وحسنه الألباني في ((صحيح الترمذي)) (٢٤٥٨).
(٦) [٩٨٦]- ((تحفة الأحوذي)) (٧/ ١٣٠ - ١٣١).

<<  <  ج: ص:  >  >>