للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

- ومن ذلك ثناء الله على المتصفين بالرحمة والمتخلقين بها, فقد قال تعالى واصفاً رسوله صلى الله عليه وسلم وأصحابه الذين معه: مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ [الفتح: ٢٩] فهم أشداء على الكفار رحماء بينهم, بحسب ما يقتضيه منهم إيمانهم, فالإيمان بالله واليوم الآخر متى تغلغل في القلب حقاً غرس فيه الرحمة بمقدار قوته وتغلغله ولكن جعل لها طريقاً لا تتعداه (١).

وقال تعالى: فَلَا اقْتَحَمَ الْعَقَبَةَ وَمَا أَدْرَاكَ مَا الْعَقَبَةُ فَكُّ رَقَبَةٍ أَوْ إِطْعَامٌ فِي يَوْمٍ ذِي مَسْغَبَةٍ يَتِيمًا ذَا مَقْرَبَةٍ أَوْ مِسْكِينًا ذَا مَتْرَبَةٍ ثُمَّ كَانَ مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ وَتَوَاصَوْا بِالْمَرْحَمَةِ أُولَئِكَ أَصْحَابُ الْمَيْمَنَةِ [البلد: ١١ – ١٨].

قال محمد الطاهر عاشور: خَصَّ بِالذِّكْرِ مِنْ أَوْصَافِ الْمُؤْمِنِينَ تَوَاصِيَهِمْ بِالصَّبْرِ وَتَوَاصِيَهِمْ بِالْمَرْحَمَةِ لِأَنَّ ذَلِكَ أَشْرَفُ صِفَاتِهِمْ بَعْدَ الْإِيمَانِ، فَإِنَّ الصَّبْرَ مِلَاكُ الْأَعْمَالِ الصَّالِحَةِ كُلِّهَا لِأَنَّهَا لَا تَخْلُو مِنْ كَبْحِ الشَّهْوَةِ النَّفْسَانِيَّةِ وَذَلِكَ مِنَ الصَّبْرِ. وَالْمَرْحَمَةُ مِلَاكُ صَلَاحِ الْجَماعَةِ الْإِسْلَامِيَّةِ قَالَ تَعَالَى: رُحَماءُ بَيْنَهُمْ [الْفَتْح: ٢٩].وَالتَّوَاصِي بِالرَّحْمَةِ فَضِيلَةٌ عَظِيمَةٌ، وَهُوَ أَيْضًا كِنَايَةٌ عَنِ اتِّصَافِهِمْ بِالْمَرْحَمَةِ لِأَنَّ مَنْ يُوصِي بِالْمَرْحَمَةِ هُوَ الَّذِي عَرَفَ قَدْرَهَا وَفَضْلَهَا، فَهُوَ يَفْعَلُهَا قَبْلَ أَنْ يُوصِيَ بِهَا. (٢)

الترغيب والحث على الرحمة من السنة النبوية:

أما السنة فقد استفاضت نصوصها الداعية إلى الرحمة, الحاثة عليها, المرغبة فيها إما نصاً أو مفهوماً, كيف لا .. وصاحبها صلى الله عليه وسلم هو نبي الرحمة كما وصف نفسه فقال: ((أنا محمد، وأحمد، والمقفي، والحاشر، ونبي التوبة، ونبي الرحمة)) (٣) , وهو الرحمة المهداة إلى جميع العالمين حيث قال: ((إنما أنا رحمة مهداة)) (٤).

- فعن النّعمان بن بشير- رضي الله عنهما- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: ((ترى المؤمنين في تراحمهم وتوادّهم وتعاطفهم كمثل الجسد إذا اشتكى عضو تداعى له سائر جسده بالسّهر والحمّى)) (٥).

يقول الإمام النووي – رحمه الله - معلقاً على هذا الحديث: (هذه الأحاديث صريحة في تعظيم حقوق المسلمين بعضهم على بعض وحثهم على التراحم والملاطفة والتعاضد في غير إثم ولا مكروه) (٦).


(١) ((الأخلاق الإسلامية وأسسها)) (٢/ ١٧).
(٢) ((التحرير والتنوير)) (٣٠/ ٣٦١).
(٣) رواه مسلم (٢٣٥٥) من حديث أبي موسى الأشعري رضي الله عنه.
(٤) رواه الحاكم (١/ ٩١) (١٠٠)، والطبراني في ((المعجم الأوسط)) (٣/ ٢٢٣) (٢٩٨١)، والبزار (١٦/ ١٢٢) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه. وقال البزار: هذا الحديث لا نعلم أحدا وصله عن أبي صالح عن أبي هريرة رضي الله عنه إلا مالك بن سعير وغيره يرسله فلا يقول: عن أبي هريرة رضي الله عنه, إنما يقول عن أبي صالح عن النبي صلى الله عليه وسلم. وقال الهيثمي في ((المجمع)) (٨/ ٣٠٠): رجال البزار رجال الصحيح. وصححه السيوطي في ((الجامع الصغير)) (٢٥٨٣).
(٥) رواه البخاري (٦٠١١)، ومسلم (٢٥٨٦).
(٦) ((شرح النووي على مسلم)) (١٦/ ١٣٩).

<<  <  ج: ص:  >  >>