للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقال بن أبي جمرة: (الذي يظهر أن التراحم والتوادد والتعاطف وإن كانت متقاربة في المعنى لكن بينها فرق لطيف فأما التراحم فالمراد به أن يرحم بعضهم بعضاً بأخوة الإيمان لا بسبب شيء آخر وأما التوادد فالمراد به التواصل الجالب للمحبة كالتزاور والتهادي وأما التعاطف فالمراد به إعانة بعضهم بعضاً كما يعطف الثوب عليه ليقويه) (١) اهـ ملخصاً.

- وعن عائشة- رضي الله عنها- قالت: ((جاء أعرابيّ إلى النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم فقال: تقبّلون الصّبيان فما نقبّلهم، فقال النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم: أو أملك لك أن نزع الله من قلبك الرّحمة)) (٢).

قال ابن بطال: (رحمة الولد الصغير ومعانقته وتقبيله والرفق به من الأعمال التي يرضاها الله ويجازي عليها، ألا ترى قوله عليه السلام للأقرع بن حابس حين ذكر عند النبي صلى الله عليه وسلم أن له عشرة من الولد ماقبل منهم أحدًا: ((من لا يرحم لا يرحم)) (٣).

- وعن عبد الله بن عمرو بن العاص- رضي الله عنهما- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: ((الرّاحمون يرحمهم الرّحمن، ارحموا أهل الأرض يرحمكم من في السّماء)) (٤).

قال شمس الدين السفيري: (فندب - صلى الله عليه وسلم - إلى الرحمة والعطف على جميع الخلق من جميع الحيوانات، على اختلاف أنواعها في غير حديث، وأشرفها الآدمي، وإذا كان كافر فكن رحيماً لنفسك ولغيرك، ولا تستبد بخيرك، فارحم الجاهل بعلمك، والذليل بجاهك، والفقير بمالك، والكبير والصغير بشفقتك ورأفتك، والعصاة بدعوتك، والبهائم بعطفك، فأقرب الناس من رحمة الله أرحمهم بخلقه، فمن كثرت منه الشفقة على خلقه والرحمة على عباده رحمه الله برحمته، وأدخله دار كرامته، ووقاه عذاب قبره، وهول موقفه، وأظله بظله إذ كل ذلك من رحمته) (٥).

- وعن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال: سمعت أبا القاسم صلّى الله عليه وسلّم يقول: ((لا تنزع الرّحمة إلّا من شقيّ)) (٦).

قال ابن العربي: (حقيقة الرحمة إرادة المنفعة وإذا ذهبت إرادتها من قلب شقي بإرادة المكروه لغيره ذهب عنه الإيمان والإسلام). (٧)

ويقول المناوي: (لأن الرحمة في الخلق رقة القلب ورقته علامة الإيمان ومن لا رأفة له لا إيمان له ومن لا إيمان له شقي فمن لا رحمة عنده شقي) (٨).

- وعن جرير بن عبد الله- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: ((لا يرحم الله من لا يرحم النّاس)) (٩).

يقول العلامة السعدي رحمه الله: (رحمة العبد للخلق من أكبر الأسباب التي تنال بها رحمة الله، التي من آثارها خيرات الدنيا، وخيرات الآخرة، وفقدها من أكبر القواطع والموانع لرحمة الله، والعبد في غاية الضرورة والافتقار إلى رحمة الله، لا يستغني عنها طرفة عين، وكل ما هو فيه من النعم واندفاع النقم، من رحمة الله.


(١) ((فتح الباري)) لابن حجر (١٠/ ٤٣٩).
(٢) رواه البخاري (٥٩٩٨).
(٣) رواه البخاري (٥٩٩٧)، ومسلم (٢٣١٨) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.
(٤) رواه أبو داود (٤٩٤١)، والترمذي (١٩٢٤)، وأحمد (٢/ ١٦٠) (٦٤٩٤). قال الترمذي: حسن صحيح. وصححه الألباني في ((صحيح الجامع)) (٣٥٢٢).
(٥) ((شرح صحيح البخاري)) لشمس الدين السفيري (٢/ ٥٠ - ٥١).
(٦) رواه أبو داود (٤٩٤٢)، والترمذي (١٩٢٣)، وأحمد (٢/ ٣٠١) (٧٩٨٨). وحسنه الترمذي، والسيوطي في ((الجامع الصغير)) (٩٨٧٠)، وحسنه الألباني في ((صحيح الجامع)) (٧٤٦٧).
(٧) ((فيض القدير شرح الجامع الصغير)) (٦/ ٥٤٧).
(٨) ((التيسير بشرح الجامع الصغير)) للمناوي (٢/ ٩٦٢).
(٩) رواه البخاري (٧٣٧٦).

<<  <  ج: ص:  >  >>