للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فمتى أراد أن يستبقيها ويستزيد منها، فليعمل جميع الأسباب التي تنال بها رحمته، وتجتمع كلها في قوله تعالى: إِنَّ رَحْمَةَ اللَّهِ قَرِيبٌ مِنَ الْمُحْسِنِينَ [الأعراف: ٥٦] وهم المحسنون في عبادة الله، المحسنون إلى عباد الله. والإحسان إلى الخلق أثر من آثار رحمة العبد بهم) (١).

أما من كان بعيداً عن الإحسان بالخلق ظلوماً غشوماً, شقياً, فهذا لا ينبغي له أن يطمع في رحمة الله وهو متلبس بظلم عباده.

- وعن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال: ((قبّل رسول الله صلّى الله عليه وسلّم الحسن بن عليّ وعنده الأقرع بن حابس التّميميّ جالسا، فقال الأقرع: إنّ لي عشرة من الولد ما قبّلت منهم أحداً، فنظر إليه رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، ثمّ قال: من لا يرحم لا يرحم)) (٢).

قال ابن بطال بعد أن ذكر عدداً من الأحاديث وذكر هذا الحديث من جملتها: (في هذه الأحاديث الحض على استعمال الرحمة للخلق كلهم كافرهم ومؤمنهم ولجميع البهائم والرفق بها. وأن ذلك مما يغفر الله به الذنوب ويكفر به الخطايا، فينبغي لكل مؤمن عاقل أن يرغب في الأخذ بحظه من الرحمة، ويستعملها في أبناء جنسه وفى كل حيوان) (٣).

وقد دل الواقع والمشاهدة أن من لا يرحم الناس ولا يعطف عليهم إذا صادف موقفاً يحتاج فيه إلى رحمتهم فإنهم لا يرحمونه ولا يعطفون عليه, وقد ذكر صاحب الأغاني أن محمد بن عبد الملك كان يقول: الرحمة خور في الطبيعة وضعف في المنة, ما رحمت شيئاً قط. فكانوا يطعنون عليه في دينه بهذا القول, فلما وضع في الثقل والحديد قال: ارحموني فقالوا له: وهل رحمت شيئاً قط فترحم. هذه شهادتك على نفسك وحكمك عليها. (٤)

واستفاضت الأحاديث الدالة على الرحمة بمفهومها وهي لا تكاد تحصى, وذلك لأنه ما من معاملة من المعاملات أو رابطة من الروابط الاجتماعية أو الإنسانية إلا وأساسها وقوام أمرها الرحمة.

فمن علاقة الإنسان بنفسه التي بين جنبيه, وعلاقته بذويه وأهله, إلى علاقته بمجتمعه المحيط به, إلى معاملته لجميع خلق الله من إنسان أو حيوان كل ذلك مبني على هذا الخلق الرفيع والسجية العظيمة.


(١) ((بهجة قلوب الأبرار)) لعبدالرحمن السعدي (ص ٢٦٩).
(٢) رواه البخاري (٥٩٩٧) ومسلم (٢٣١٨).
(٣) ((شرح صحيح البخاري)) لابن بطال (٩/ ٢١٩).
(٤) ((شرح صحيح البخاري)) لابن بطال (٩/ ٢١٩).

<<  <  ج: ص:  >  >>