للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قال النووي: (في هذا الحديث تحريم إفشاء الرجل ما يجري بينه وبين امرأته من أمور الاستمتاع ووصف تفاصيل ذلك وما يجري من المرأة فيه من قول أو فعل ونحوه فأما مجرد ذكر الجماع فإن لم تكن فيه فائدة ولا إليه حاجة فمكروه لأنه خلاف المروءة وقد قال صلى الله عليه وسلم: ((من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيراً أو ليصمت)) (١)، وإن كان إليه حاجة أو ترتب عليه فائدة؛ بأن ينكر عليه إعراضه عنها، أو تدعي عليه العجز عن الجماع، أو نحو ذلك، فلا كراهة في ذكره، كما قال صلى الله عليه وسلم: ((إني لأفعله أنا وهذه)) (٢)، وقال صلى الله عليه وسلم لأبي طلحة: ((أعرستم الليلة)) (٣). وقال لجابر: ((الكيس الكيس)) (٤)، والله أعلم) (٥).

وقال ابن الجوزي: (والمراد بالسر ها هنا: مَا يكون من عُيُوب الْبدن الْبَاطِنَة، وَذَاكَ كالأمانة فلزم كتمانه) (٦).

وقال المناوي: (ثم ينشر سرها: أي يبث ما حقه أن يكتم من الجماع ومقدماته ولواحقه فيحرم إفشاء ما يجري بين الزوجين من الاستمتاع ووصف تفاصيل ذلك بقول أو فعل) (٧).

- وعن جابر بن عبد الله - رضي الله عنهما- عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: ((إذا حدّث الرّجل الحديث ثم التفت فهي أمانةٌ)) (٨).

قال الطحاوي: (أي: إنها أمانة ائتمن عليها المحدث , فلم يجز له أن يخفر أمانته ويفشي سره; لأنه عسى أن يكون في ذلك ذهاب دمه أو ما سواه مما يفسد أحواله عليه) (٩).

قال المباركفوري في شرحه: (فكأن المعنى: ليكن صاحب المجلس أميناً لما يسمعه أو يراه) (١٠).

ويؤكد هذا المعنى العظيم الحسن البصري بقوله: (إنما تُجالسون بالأمانة، كأنكم تظنون أن الخيانة ليست إلا في الدينار والدرهم، إن الخيانة أشد الخيانة أن يجالسنا الرجل، فنطمئن إلى جانبه، ثم ينطلق فيسعى بنا) (١١).

وقال المناوي: (وفيه ذم إفشاء السر وعليه الإجماع وسبب إذاعته أن للإنسان قوتين آخذة ومعطية وكلاهما يتشرف إلى الفعل المختص به ولولا أنه تعالى وكل المعطية بإظهار ما عندها ما ظهرت الأسرار فكامل العقل كلما طلبت القوة الفعل قيدها ووزنها بالعقل) (١٢).


(١) رواه البخاري (٦٠١٨)، ومسلم (٤٧).
(٢) رواه مسلم (٣٥٠).
(٣) رواه البخاري (٥٤٧٠) ومسلم (٢١٤٤).
(٤) رواه البخاري (٥٢٤٥)، ومسلم (٧١٥).
(٥) ((شرح مسلم للنووي)) (١٠/ ٨).
(٦) ((كشف المشكل من حديث الصحيحين)) (٣/ ١٧٤).
(٧) ((فيض القدير)) (٢/ ٥٣٨).
(٨) رواه أبو داود (٤٨٦٨)، والترمذي (١٩٥٩)، وأحمد (٣/ ٣٧٩) (١٥١٠٤). وحسنه الترمذي، وصححه السيوطي في ((الجامع الصغير)) (٥٦١)، وحسنه الألباني في ((صحيح الجامع)) (٤٨٦).
(٩) ((شرح مشكل الآثار)) (٩/ ١٣).
(١٠) ((تحفة الأحوذي)) (٦/ ٧٩).
(١١) رواه البخاري (٦٢٨٥)، ومسلم (٢٤٥٠) واللفظ للبخاري.
(١٢) ((التيسير بشرح الجامع الصغير)) (١/ ٩٠).

<<  <  ج: ص:  >  >>