للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

- وعن عائشة رضي الله عنها، قالت: ((إنا كنا أزواج النبي صلى الله عليه وسلم عنده جميعاً لم تغادر منا واحدة، فأقبلت فاطمة تمشي، لا، والله ما تخفى مشيتها من مشية رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلما رآها رحب، قال: مرحبا بابنتي، ثم أجلسها عن يمينه - أو عن شماله - ثم سارها، فبكت بكاء شديداً، فلما رأى حزنها سارها الثانية، فإذا هي تضحك، فقلت لها أنا من بين نسائه: خصك رسول الله صلى الله عليه وسلم بالسر من بيننا، ثم أنت تبكين، فلما قام رسول الله صلى الله عليه وسلم سألتها عما سارك، قالت: ما كنت لأفشي على رسول الله صلى الله عليه وسلم سره، فلما توفي، قلت لها: عزمت عليك بما لي عليك من الحق، لما أخبرتني، قالت: أما الآن، فنعم، فأخبرتني، قالت: أما حين سارني في الأمر الأول، فإنه أخبرني أن جبريل كان يعارضه بالقرآن كل سنة مرة، وإنه قد عارضني به العام مرتين، ولا أرى الأجل إلا قد اقترب، فاتقى الله، واصبري، فإني نعم السلف أنا لك، قالت: فبكيت بكائي الذي رأيت، فلما رأى جزعي، سارني الثانية، قال يا فاطمة، ألا ترضين أن تكوني سيدة نساء المؤمنين، أو سيدة نساء هذه الأمة)) (١).

قال ابن بطال: (وفيه: أنه لا ينبغي إفشاء السر إذا كانت فيه مضرة على المسر، لأن فاطمة لو أخبرت نساء النبي ذلك الوقت بما أخبرها به النبي من قرب أجله لحزن لذلك حزناً شديداً، وكذلك لو أخبرتهن أنها سيدة نساء المؤمنين، لعظم ذلك عليهن، واشتد حزنهن، فلما أمنت ذلك فاطمة بعد موته أخبرت بذلك) (٢).

وقال ابن حجر: (فيه جواز إفشاء السر إذا زال ما يترتب على إفشائه من المضرة لأن الأصل في السر الكتمان وإلا فما فائدته) (٣).

- وعن ابن عمر رضي الله عنهما قال: حين تأيمت حفصة، قال عمر: لقيت أبا بكر فقلت: ((إن شئت أنكحتك حفصة بنت عمر، فلبثت ليالي ثم خطبها رسول الله صلى الله عليه وسلم) فلقيني أبو بكر فقال: إنه لم يمنعني أن أرجع إليك فيما عرضت، إلا أني قد علمت أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد ذكرها، فلم أكن لأفشي سر رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولو تركها لقبلتها)) (٤).

قال ابن حجر: (وفيه أن من حلف لا يفشي سر فلان فأفشى فلان سر نفسه ثم تحدث به الحالف لا يحنث لأن صاحب السر هو الذي أفشاه فلم يكن الإفشاء من قبل الحالف وهذا بخلاف ما لو حدث واحد آخر بشيء واستحلفه ليكتمه فلقيه رجل فذكر له أن صاحب الحديث حدثه بمثل ما حدثه به فأظهر التعجب وقال ما ظننت أنه حدث بذلك غيري فإن هذا يحنث لأن تحليفه وقع على أنه يكتم أنه حدثه وقد أفشاه) (٥).

- وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((لا يتجالس قوم إلا بالأمانة)) (٦).

قال المناوي: (أي لا ينبغي إلا ذلك فلا يحل لأحدهم أن يفشي سر غيره) (٧).


(١) رواه البخاري (٦٢٨٥)، ومسلم (٢٤٥٠).
(٢) ((شرح صحيح البخاري)) لابن بطال (٩/ ٦١).
(٣) ((فتح الباري)) لابن حجر (١١/ ٨٠).
(٤) رواه البخاري (٥١٤٥).
(٥) ((فتح الباري)) لابن حجر (٩/ ١٧٨).
(٦) رواه أبو طاهر المخلص في ((المخلصيات)) (١/ ١٩٢) (٢١٠) من حديث مروان بن الحكم رحمه الله. وحسنه السيوطي في ((الجامع الصغير)) (٩٩٤٤)، والألباني في ((صحيح الجامع)) (٧٦٠٤).
(٧) ((فيض القدير)) (٦/ ٤٤٣).

<<  <  ج: ص:  >  >>