للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

قال القرطبي: (قال العلماء: فأحق الناس بعد الخالق المنان بالشكر والإحسان والتزام البر والطاعة له والإذعان من قرن الله الإحسان إليه بعبادته وطاعته وشكره بشكره وهما الوالدان، فقال تعالى: أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوالِدَيْكَ) (١).

وقوله تعالى: قُلْ تَعَالَوْاْ أَتْلُ مَا حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ أَلاَّ تُشْرِكُواْ بِهِ شَيْئًا وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا [الأنعام: ١٥١]

وعن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: ((سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم أي العمل أفضل؟ قال: الصلاة لوقتها. قال قلت: ثم أي؟ قال: بر الوالدين. قال قلت: ثم أي؟ قال: الجهاد في سبيل الله)) (٢).

قال الإمام الرازي: (أجمع أكثر العلماء على أنه يجب تعظيم الوالدين والإحسان إليهما إحسانا غير مقيد بكونهما مؤمنين لقوله تعالى: وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا [البقرة:٨٣] [النساء:٣٦] و [الأنعام:١٥١] و [الإسراء:٢٣]) (٣).

٣ - الإحسان إلى الجار:

عن أبي شريح الخزاعي أن النبي صلى الله عليه وسلم قال ((من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليحسن إلى جاره ومن كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليكرم ضيفه ومن كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيرا أو ليسكت)) (٤).

٤ - الإحسان إلى اليتامى والمساكين:

ومن الإحسان إلى اليتامى والمساكين المحافظة على حقوقهم والقيام بتربيتهم، والعطف عليهم، ومد يد العون لهم قال تعالى: وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقَ بَنِي إِسْرَائِيلَ لاَ تَعْبُدُونَ إِلاَّ اللهَ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً وَذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَقُولُواْ لِلنَّاسِ حُسْناً وَأَقِيمُواْ الصَّلاَةَ وَآتُواْ الزَّكَاةَ ثُمَّ تَوَلَّيْتُمْ إِلاَّ قَلِيلاً مِّنكُمْ وَأَنتُم مِّعْرِضُونَ [البقرة: ٨٣].

(فإن الإحسان إليهم والبر بهم وكفالة عيشهم وصيانة مستقبلهم من أزكى القربات بل إن العواطف المنحرفة تعتدل في هذا المسلك وتلزم الجادة: فعن أبي هريرة أن رجلا شكا إلى رسول الله قسوة قلبه فقال: ((امسح رأس اليتيم وأطعم المسكين)) (٥). وفي رواية: أن رجلا جاءه يشكو قسوة قلبه فقال له: ((أتحب أن يلين قلبك وتدرك حاجتك ارحم اليتيم وامسح رأسه وأطعمه من طعامك يلن قلبك وتدرك حاجتك)) (٦). وذلك أن القلب يتبلد في المجتمعات التي تضج بالمرح الدائم والتي تصبح وتمسى وهي لا ترى من الحياة غير آفاقها الزاهرة ونعمها الباهرة والمترفون إنما يتنكرون لآلام الجماهير لأن الملذات التي تُيسر لهم تغلف أفئدتهم وتطمس بصائرهم فلا تجعلهم يشعرون بحاجة المحتاج وألم المتألم وحزن المحزون والناس إنما يرزقون الأفئدة النبيلة والمشاعر المرهفة عندما ينقلبون في أحوال الحياة المختلفة ويبلون مس السراء والضراء .. عندئذ يحسون بالوحشة مع اليتيم وبالفقدان مع الثكلى وبالتعبة مع البائس الفقير) (٧).

٥ - الإحسان في المعاملة:


(١) ((الجامع لأحكام القرآن)) للقرطبي (٥/ ١٨٣).
(٢) رواه البخاري (٢٦)، ومسلم (٨٥).
(٣) ((فيض القدير)) للمناوي (٣/ ٢٥٩).
(٤) رواه مسلم (٤٨) من حديث عبدالله بن مسعود رضي الله عنه.
(٥) رواه أحمد (٢/ ٣٨٧) (٩٠٠٦). قال المنذري في ((الترغيب والترهيب)) (٣/ ٣١٦) والهيثمي في ((المجمع)) (٨/ ١٦٣): رجاله رجال الصحيح. وحسنه لغيره الألباني في ((صحيح الترغيب)) (٢٥٤٥).
(٦) ذكره المنذري في ((الترغيب والترهيب)) (٣/ ٢٣٧) وقال: رواه الطبراني من رواية بقية وفيه راو لم يسم.
(٧) ((خلق المسلم)) للغزالي (ص: ١٩٣).

<<  <  ج: ص:  >  >>