للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

- ومن صور التجسس الممنوع التجسس على الكافر المسالم خاصة إذا لم يظهر منه ما يدعو للريبة قال محمد معين الدين البصري: (والظاهر عدم الجواز إذا لم يظهر منه الريبة في إرادة الفساد لأمر الله بالقسط معهم قال تعالى: لَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ [الممتحنة: ٨] ولأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم لأسماء رضي الله عنها بصلة رحم أمها تطبيقاً للآية السابقة).

- ومن أبشع صور التجسس وأقبحها التجسس على المسلمين لصالح أعداء الدين (فإذا كان التجسس للوقوف على عورات الأفراد ومعائبهم أمراً محرماً فإن التجسس على الأمة الإسلامية لحساب أعدائها أشد حرمة, وأعظم خطراً وضرراً على البلاد والعباد وخيانة لله ورسوله وللأمة وقد تحدث الفقهاء رحمهم الله تعالى على عقوبة من يقوم بهذا العمل الخطير, الذي يعرض الأمة الإسلامية بأكملها لأضرار فادحة قد يستمر أثرها لأمد بعيد محطماً كافة النواحي السياسية والاقتصادية والاجتماعية للدولة الإسلامية) (١).

قال عبد القادر العاني: (ومن أكبر الكبائر وأفظعها التجسس على المسلمين وإفشاء أسرارهم الحربية إلى أعدائهم أو إلى من يوصل إليهم) (٢).

وقال محمد الطاهر بن عاشور: (وإذ قد اعتبر النهي عن التجسس من فروع النهي عن الظن فهو مقيد بالتجسس الذي هو إثم أو يفضي إلى الإثم، وإذا علم أنه يترتب عليه مفسدة عامة صار التجسس كبيرة. ومنه التجسس على المسلمين لمن يبتغي الضر بهم ... ) (٣).

صور التجسس المشروع:

- من صور التجسس المشروع التجسس على أعداء الأمة لمعرفة عددهم وعتادهم (فقد اتفق الفقهاء على أن التجسس والتنصت على الكفار في الحرب مشروع وجائز لمعرفة عددهم، وعتادهم، وما يخططون له، ويدبرون من المكائد للمسلمين، وهو الأمر الذي يكون بعلم الإمام وتحت نظره ومعرفته) (٤).

(فالتجسس على أعداء الأمة الإسلامية بتتبع أخبارهم، والاطلاع على مخططاتهم التي يعدونها للقضاء على الأمة الإسلامية، وإثارة الفتنة والقلاقل بين صفوفها، وزعزعة أمنها واستقرارها أمر مشروع، بل قد يكون واجباً في حالة قيام حرب بينهم وبين المسلمين، وقد دل على مشروعيته الكتاب والسنة وعمل الصحابة:

فمن الكتاب: عموم قول الله تعالى: وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ وَآخَرِينَ مِنْ دُونِهِمْ لَا تَعْلَمُونَهُمُ اللَّهُ يَعْلَمُهُمْ [الأنفال: ٦٠].

فقد أمرت الآية المسلمين بإعداد ما يستطيعون من قوة لمواجهة الأعداء، ومن أسباب القوة التخطيط السليم، واليقظة والحذر، والتأهب الدائم، لإحباط مخططات الأعداء، ولا شك أن ذلك لا يتم إلا بمعرفة أخبار الأعداء وخططهم، ورصد تحركاتهم، وما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب، فدلت الآية على مشروعية التجسس على الأعداء بكل وسيلة شريفة وطريقة نبيلة).

ومن السنة أحاديث كثيرة منها:


(١) ((عقوبة الإعدام دراسة فقهية مقارنة لأحكام العقوبة بالقتل في الفقه الإسلامي)) لمحمد بن سعد الغامدي (ص: ٤٧٢).
(٢) ((بيان المعاني)) لعبد القادر بن ملّا حويش السيد محمود آل غازي العاني (٦/ ٢٢٦).
(٣) ((التحرير والتنوير)) لمحمد الطاهر بن عاشور (٢٦/ ٢٥٤).
(٤) ((بهجة الأسماع في أحكام السماع في الفقه الإسلامي)) لعلي بن ذريان (ص: ٣٧٦).

<<  <  ج: ص:  >  >>