للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

- ما ورد أن نعيم بن مسعود رضي الله عنه جاء إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم في غزوة الخندق، فقال: ((يا رسول الله، مرني بما شئت، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إنما أنت فينا رجل واحد، فخذل عنا، فذهب نعيم بن مسعود إلى بني قريظة، وكان لهم نديمهم في الجاهلية وحذرهم: إن هزمت قريش فنجت بنفسها فإنها ستترككم تحت رحمة محمد وصحبه, ونصحهم ألا يطمئنوا لقريش إلا أن يأخذوا الرهائن من السادة والأشراف ثم ذهب إلى قريش وأوهمهم أن بني قريظة نادمة على نقض العهد مع محمد, وقال: تعلمون أن معشر يهود قد ندموا على ما صنعوا فيما بينهم وبين محمد وقد أرسلوا إليه أنا قد ندمنا فهل يرضيك أن نأخذ لك من القبيلتين من قريش وغطفان رجالاً من أشرافهم فنعطيكهم فتضرب أعناقهم؟ ثم ذهب إلى غطفان وأوهمهم بما أوهم به قريشاً فاستعجلت قريش وعد قريظة لها نصرتها, فكان جوابهم ما يؤكد كلام نعيم بن مسعود من أنهم بيتوا الغدر ونجح نعيم ابن مسعود في الإيقاع بهم وتفريق كلمتهم)) (١).

- وعن جابر رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((يوم الأحزاب من يأتينا بخبر القوم فقال الزبير أنا ثم قال من يأتينا بخبر القوم فقال الزبير أنا ثم قال من يأتينا بخبر القوم فقال الزبير أنا ثم قال إن لكل نبي حواريا وإن حواري الزبير)) (٢) ....

- وعن المسور بن مخرمة، ومروان بن الحكم، يزيد أحدهما على صاحبه قالا: ((خرج النبي صلى الله عليه وسلم عام الحديبية في بضع عشرة مائة من أصحابه، فلما أتى ذا الحليفة، قلد الهدي وأشعره وأحرم منها بعمرة، وبعث عينا له من خزاعة، وسار النبي صلى الله عليه وسلم حتى كان بغدير الأشطاط أتاه عينه، قال: إن قريشا جمعوا لك جموعا، وقد جمعوا لك الأحابيش، وهم مقاتلوك، وصادوك عن البيت، ومانعوك، فقال: أشيروا أيها الناس علي، أترون أن أميل إلى عيالهم وذراري هؤلاء الذين يريدون أن يصدونا عن البيت، فإن يأتونا كان الله عز وجل قد قطع عينا من المشركين، وإلا تركناهم محروبين، قال أبو بكر: يا رسول الله، خرجت عامدا لهذا البيت، لا تريد قتل أحد، ولا حرب أحد، فتوجه له، فمن صدنا عنه قاتلناه. قال: امضوا على اسم الله)) (٣).

... فهذه الأحاديث جميعها تدل على مشروعية جمع المعلومات عن الأعداء وكشف مخططاتهم وذلك بالطرق المشروعة والوسائل الشريفة، وأنه عليه الصلاة والسلام كان يتخير لهذه المهمة الأشخاص الذين كان يثق بهم حرصاً منه على صحة المعلومات التي تصله، ودقتها، لكي يبني عليها خططه العسكرية في مواجهة الأعداء) (٤).

- ومن صور التجسس المشروع (تتبع المجرمين الخطرين وأهل الريب وقد عده بعض الفقهاء من التجسس المشروع إذا كانت جرائمهم ذات خطر كبير على الأفراد أو على الأمة بأسرها، وغلب على الظن وقوعها بأمارات وعلامات ظاهرة، وذلك كالتجسس على إنسان يغلب على الظن أنه يتربص بآخر ليقتله، أو بامرأة أجنبية ليزني بها، بل قد يكون واجباً إذا خيف فوات تدارك الجريمة بدون التجسس.

ورد في نهاية المحتاج: (وليس لأحد البحث والتجسس واقتحام الدور بالظنون، نعم إذا غلب على ظنه وقوع معصية ولو بقرينة ظاهرة كإخبار ثقة جاز له، بل وجب عليه التجسس إن فات تداركها كقتل وزنى، وإلا فلا) (٥).


(١) رواه بنحوه البيهقي في ((دلائل النبوة)) (٣/ ٤٤٥ - ٤٤٧).
(٢) رواه البخاري (٤١١٣).
(٣) رواه البخاري (٤١٧٨).
(٤) ((عقوبة الإعدام دراسة فقهية مقارنة لأحكام العقوبة بالقتل في الفقه الإسلامي)) لمحمد بن سعد الغامدي (ص: ٤٦٥ - ٤٦٧).
(٥) ((نهاية المحتاج إلى شرح المنهاج)) (٤/ ٤٧ - ٤٩).

<<  <  ج: ص:  >  >>