للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

- وعن عبد الله بن زيد بن عاصم قال: ((لما أفاء الله على رسوله صلى الله عليه وسلم يوم حنين قسم في الناس في المؤلفة قلوبهم ولم يعط الأنصار شيئا فكأنهم وجدوا إذ لم يصبهم ما أصاب الناس فخطبهم فقال يا معشر الأنصار ألم أجدكم ضلالا فهداكم الله بي وكنتم متفرقين فألفكم الله بي وعالة فأغناكم الله بي كلما قال شيئا قالوا الله ورسوله أمن قال ما يمنعكم أن تجيبوا رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: كلما قال شيئا قالوا الله ورسوله أمن قال لو شئتم قلتم جئتنا كذا وكذا أترضون أن يذهب الناس بالشاة والبعير وتذهبون بالنبي صلى الله عليه وسلم إلى رحالكم لولا الهجرة لكنت امرءا من الأنصار ولو سلك الناس واديا وشعبا لسلكت وادي الأنصار وشعبها الأنصار شعار والناس دثار إنكم ستلقون بعدي أثرة فاصبروا حتى تلقوني على الحوض)) (١).

وهذا من أكبر نعم الله في بعثة رسول الله صلى الله عليه وسلم: أن ألف به بين قوم قويت بينهم العصبيات، وينبغي أن يكون شأن المسلم هكذا يؤلف بين المتفرقين ويأتلف حوله المحبون (٢).

- وعن جابر قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم المؤمن يألف ويؤلف ولا خير فيمن لا يألف ولا يؤلف وخير الناس أنفعهم للناس (٣).

قال المناوي في شرح قوله: ((المؤمن يألف)) قال: (لحسن أخلاقه وسهولة طباعه ولين جانبه وفي رواية ألف مألوف والألف اللازم للشيء فالمؤمن يألف الخير وأهله ويألفونه بمناسبة الإيمان قال الطيبي: وقوله المؤمن ألف يحتمل كونه مصدرا على سبيل المبالغة كرجل عدل أو اسم كان أي يكون مكان الألفة ومنتهاها ومنه إنشاؤها وإليه مرجعها ((ولا خير فيمن لا يألف ولا يؤلف)) لضعف إيمانه وعسر أخلاقه وسوء طباعه والألفة سبب للاعتصام بالله وبحبله وبه يحصل الإجماع بين المسلمين وبضده تحصل النفرة بينهم وإنما تحصل الألفة بتوفيق إلهي ... ومن التآلف ترك المداعاة والاعتذار عند توهم شيء في النفس وترك الجدال والمراء وكثرة المزاح) (٤).

وقال الماوردي: (بين به أن الإنسان لا يصلح حاله إلا الألفة الجامعة فإنه مقصود بالأذية محسود بالنعمة فإذا لم يكن ألفا مألوفا تختطفه أيدي حاسديه وتحكم فيه أهواء أعاديه فلم تسلم له نعمة ولم تصف له مدة وإذا كان ألفا مألوفا انتصر بالألف على أعاديه وامتنع بهم من حساده فسلمت نعمته منهم وصفت مودته بينهم وإن كان صفو الزمان كدرا ويسره عسرا وسلمه خطر) (٥).

قال الراغب الأصفهاني: (ولذلك حثنا على الاجتماعات في الجماعات والجمعات، لكون ذلك سبباً للألفة، بل لذلك عظم الله تعالى المنة على المؤمنين بإيقاع الألفة بين المؤمنين ... وليس ذلك في الإنسان فقط، بل لولا أن الله تعالى ألَّف بين الأركان المتضادة، لما استقام العالم، ولذلك قال عليه السلام: ((بالعدل قامت السماوات والأرض)) (٦) ومتى تصور هذه الجملة، علم أن الآية في نهاية الذم) (٧).

- وعن عوف بن مالك عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: ((خيار أئمتكم الذين تحبونهم ويحبونكم ويصلون عليكم وتصلون عليهم وشرار أئمتكم الذين تبغضونهم ويبغضونكم وتلعنونهم ويلعنونكم)) (٨).


(١) رواه البخاري (٤٣٣٠).
(٢) انظر ((هذه أخلاقنا)) لمحمود الخزندار (ص ١٩٤)
(٣) رواه الطبراني في ((الأوسط)) (٦/ ٥٨) (٥٧٨٧)، والبيهقي في ((الشعب)) (١٠/ ١١٥) (٧٢٥٢).
(٤) ((فيض القدير)) (٦/ ٣٢٩)
(٥) ((فيض القدير)) (٦/ ٣٢٩)
(٦) ((الذريعة إلى مكارم الشريعة)) (ص٢٤٩).
(٧) ((تفسير الراغب الأصفهاني)) (١/ ١٣٢)
(٨) رواه مسلم (١٨٥٥).

<<  <  ج: ص:  >  >>