للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قال الصنعاني: (المراد بقوله - صلى الله عليه وسلم -: ((إياكم والظن)) سوء الظن به تعالى وبكل من ظاهره العدالة من المسلمين - وقوله فإن الظن أكذب الحديث سماها حديثا؛ لأنه حديث النفس، وإنما كان الظن أكذب الحديث؛ لأن الكذب مخالفة الواقع من غير استناد إلى أمارة، وقبحه ظاهر لا يحتاج إلى إظهاره. وأما الظن فيزعم صاحبه أنه استند إلى شيء فيخفى على السامع كونه كاذبا بحسب الغالب فكان أكذب الحديث، والحديث وارد في حق من لم يظهر منه شتم ولا فحش ولا فجور) (١).

وقال الملا علي القاري: (إياكم والظن أي احذروا اتباع الظن في أمر الدين الذي مبناه على اليقين قال تعالى: وَمَا يَتَّبِعُ أَكْثَرُهُمْ إِلاَّ ظَنًّا إَنَّ الظَّنَّ لاَ يُغْنِي مِنَ الْحَقِّ شَيْئًا [يونس: ٣٦] قال القاضي: التحذير عن الظن فيما يجب فيه القطع أو التحدث به عند الاستغناء عنه أو عما يظن كذبه .. أو اجتنبوا الظن في التحديث والإخبار، ويؤيده قوله: (فإن الظن): في موضع الظاهر زيادة تمكين في ذهن السامع حثا على الاجتناب أكذب الحديث) (٢).

- وعن صفية بنت حيي قالت: ((كان النبي صلى الله عليه وسلم معتكفا، فأتيته أزوره ليلا، فحدثته، ثم قمت لأنقلب، فقام معي ليقلبني، وكان مسكنها في دار أسامة بن زيد، فمر رجلان من الأنصار، فلما رأيا النبي صلى الله عليه وسلم أسرعا، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: على رسلكما، إنها صفية بنت حيي. فقالا: سبحان الله يا رسول الله، قال: إن الشيطان يجري من الإنسان مجرى الدم، وإني خشيت أن يقذف في قلوبكما شرا أو قال: شيئا)) (٣).

قال النووي: (الحديث فيه فوائد منها بيان كمال شفقته صلى الله عليه وسلم على أمته ومراعاته لمصالحهم وصيانة قلوبهم وجوارحهم وكان بالمؤمنين رحيما فخاف صلى الله عليه وسلم أن يلقى الشيطان فى قلوبهما فيهلكا فإن ظن السوء بالأنبياء كفر بالإجماع والكبائر غير جائزة عليهم وفيه أن من ظن شيئا من نحو هذا بالنبي صلى الله عليه وسلم كفر .. وفيه استحباب التحرز من التعرض لسوء ظن الناس في الإنسان وطلب السلامة والاعتذار بالأعذار الصحيحة وأنه متى فعل ما قد ينكر ظاهره مما هو حق وقد يخفى أن يبين حاله ليدفع ظن السوء) (٤).

- وعن أبي أمامة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((إن الأمير إذا ابتغى الريبة في الناس أفسدهم)) (٥).


(١) انظر: ((سبل السلام)) للصنعاني (٢/ ٦٦٤، ٦٦٥).
(٢) ((مرقاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح) للملا علي القاري (٨/ ٣١٤٧).
(٣) رواه البخاري (٣٢٨١)، ومسلم (٢١٧٥).
(٤) ((المنهاج شرح صحيح مسلم بن الحجاج)) للنووي (١٤/ ١٥٦ - ١٥٧).
(٥) رواه أبو داود (٤٨٨٩)، وأحمد (٦/ ٤) (٢٣٨٦٦)، والطبراني (٨/ ١٠٨) (٧٥١٦)، والحاكم (٤/ ٤١٩)، والبيهقي (٨/ ٣٣٣) (١٧٤٠٢). والحديث سكت عنه أبو داود، وقال المنذري في ((الترغيب والترهيب)) (٣/ ٢٤٢): [فيه] إسماعيل بن عياش وجبير بن نفير أدرك النبي صلى الله عليه وسلم وهو في التابعين وكثير بن مرة نص الأئمة على أنه تابعي وذكره عبدان في الصحابة، قال الهيثمى (٥/ ٢١٨): رواه أحمد والطبرانى، ورجاله ثقات، وحسنه ابن حجر في ((تخريج مشكاة المصابيح)) (٣/ ٤٦٩) كما قال في المقدمة، والسيوطي في ((الجامع الصغير)) (١٩٥٦)، وصححه لغيره الألباني في ((صحيح سنن أبي داود)).

<<  <  ج: ص:  >  >>