للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقال الراغب: (ولكون الوفاء سبباً لعامة الصلاح. والغدر سبباً لعامة الفساد، عظم الله أمرهما، وأعاد في عدة مواضع ذكرهما، فقال: وَأَوْفُوا بِالْعَهْدِ إِنَّ الْعَهْدَ كَانَ مَسْئُولًا [الإسراء: ٣٤]، وقال: وَالْمُوفُونَ بِعَهْدِهِمْ) (١).

وقال ابن رجب: (ويدخل في العُهود التي يجب الوفاءُ بها، ويحرم الغَدْرُ فيها: جميعُ عقود المسلمين فيما بينهم، إذا تَرَاضَوا عليها من المبايعات والمناكحات وغيرها من العقود اللازمة التي يجب الوفاءُ بها، وكذلك ما يجبُ الوفاء به لله - عز وجل - ممَّا يعاهدُ العبدُ ربَّه عليه من نذرِ التَّبرُّرِ ونحوه) (٢).

ذم الغدر والنهي عنه من السنة النبوية:

- عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((لكل غادر لواء يوم القيامة، يقال: هذه غدرة فلان)) (٣).

قال ابن بطال: (وهذه مبالغة في العقوبة وشدة الشهرة والفضيحة) (٤).

وقال النووي: (لكل غادر لواء أي علامة يشهر بها في الناس لأن موضوع اللواء الشهرة مكان الرئيس علامة له وكانت العرب تنصب الألوية في الأسواق الحفلة لغدرة الغادر لتشهيره بذلك) (٥).

وقال ابن عثيمين: (وفي هذا الحديث دليل على أن الغدر من كبائر الذنوب، لأن فيه هذا الوعيد الشديد) (٦).

- وعن عبد الله بن عمرو، قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((أربع، من كن فيه كان منافقاً خالصاً، ومن كانت فيه خصلة منهن كانت فيه خصلة من النفاق حتى يدعها: إذا حدث كذب، وإذا عاهد غدر، وإذا وعد أخلف، وإذا خاصم فجر)) (٧).

قال المناوي: (وإذا عاهد غدر) أي: نقض العهد (٨).

وقال العظيم آبادي: (وإذا عاهد غدر) أي: نقض العهد وترك الوفاء بما عاهد عليه (٩).

وقال ابن عثيمين: (وإذا عاهد غدر) يعني: إذا أعطى عهدًا على أي شيء من الأشياء غدر به ونقض العهد، وهذا يشمل المعاهدة مع الكفار، والمعاهدة مع المسلم في بعض الأشياء ثم يغدر بذلك (١٠).

- وفي حديث هرقل الطويل مع أبي سفيان عندما سأله عن النبي: ((فهل يغدر؟ قال: لا، ثم قال هرقل: وسألتك هل يغدر؟ فزعمت أن لا، وكذلك الرسل لا يغدرون)) (١١).

قال ابن بطال: قد جاء فضل الوفاء بالعهد وذم الختر في غير موضع في الكتاب والسنة، وإنما أشار البخاري في هذا الحديث إلى سؤال هرقل لأبى سفيان: هل يغدر؟ إذ كان الغدر عند كل أمة مذموماً قبيحاً، وليس هو من صفات رسل الله، فأراد أن يمتحن بذلك صدق النبي؛ لأن من غدر ولم يفِ بعهد لا يجوز أن يكون نبياً؛ لأن الأنبياء والرسل عليهم السلام أخبرت عن الله بفضل من وفى بعهد وذم من غدر وختر (١٢).

- وعن أبي هريرة رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((قال الله: ثلاثة أنا خصمهم يوم القيامة: رجل أعطى بي ثم غدر، ورجل باع حراً ثم أكل ثمنه، ورجل استأجر أجيراً فاستوفى منه ولم يعط أجره)) (١٣).

قال المهلب: قوله: (أعطى بي ثم غدر) يريد: نقض عهداً عاهده عليه (١٤).


(١) ((تفسير الراغب)) (٢/ ٦٥٩).
(٢) ((جامع العلوم والحكم)) (٣/ ١٢٥٥).
(٣) رواه مسلم (١٧٣٦)، بهذا اللفظ، ورواه البخاري ومسلم بألفاظ مختلفة، من حديث أبي سعيد، وابن عمر، وأنس رضي الله عنهم.
(٤) ((شرح صحيح البخاري)) (٥/ ٣٥٧).
(٥) ((المنهاج شرح صحيح مسلم بن الحجاج)) (١٢/ ٤٣).
(٦) ((شرح رياض الصالحين)) (٦/ ٢٧٣).
(٧) رواه البخاري (٢٢٢٧).
(٨) ((فيض القدير)) (١/ ٤٦٣).
(٩) ((عون المعبود)) (١٢/ ٢٨٩).
(١٠) ((شرح رياض الصالحين)) (٦/ ١٦٦).
(١١) رواه البخاري (٢٩٤١)، ومسلم (١٧٧٣).
(١٢) ((شرح صحيح البخاري)) (٥/ ٣٥٦).
(١٣) رواه البخاري (٢٢٢٧).
(١٤) ((شرح صحيح البخاري)) لابن بطال (٦/ ٣٤٥).

<<  <  ج: ص:  >  >>