للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الثاني: انتفاعُ المحتَضَر بهذه السورة لما فيها من التوحيد، والمعَادِ، والبشرى بالجنة لأهل التوحيد، وغبطةِ من مات عليه بقوله: {قِيلَ ادْخُلِ الْجَنَّةَ قَالَ يَالَيْتَ قَوْمِي يَعْلَمُونَ (٢٦) بِمَا غَفَرَ لِي رَبِّي وَجَعَلَنِي مِنَ الْمُكْرَمِينَ} [يس: ٢٦، ٢٧]. فتستبشر الروح بذلك، فتحبُّ لقاءَ الله، فيحبُّ اللهُ لقاءَه. فإنَّ هذه السورة قلبُ القرآن (١) ولها خاصِّية عجيبة في قراءتها عند المحتضَر.

وقد ذكر أبو الفرج ابن الجوزي قال: كنَّا عند شيخنا أبي الوقت عبد الأول، وهو في السياق، وكان آخر عهدنا به أنه نظر إلى السماء، وضحك، وقال: {يَالَيْتَ قَوْمِي يَعْلَمُونَ (٢٦) بِمَا غَفَرَ لِي رَبِّي وَجَعَلَنِي مِنَ الْمُكْرَمِينَ}. [٦ ب] وقضى (٢).

الثالث: أنَّ هذا عملُ الناس وعادتُهم قديمًا وحديثًا: يقرؤون (يس) عند المحتضر.

الرابع: أنّ الصحابة لو فهموا من قوله - صلى الله عليه وسلم -: "اقرؤوا (يس) عند موتاكم" قراءتَها عند القبر لما أَخلُّوا به، وكان ذلك أمرًا معتادًا مشهورًا بينهم.

الخامس: أنَّ انتفاعَه باستماعها، وحضورَ قلبه وذهنهِ عند قراءتها في آخر عهده بالدنيا هو المقصود. وأما قراءتُها عند قبره، فإنه لا يثابُ على ذلك، لأن الثواب إما بالقراءة أو بالاستماع، وهو عمل، وقد انقطع من الميت.


(١) يشير إلى ما رواه الترمذي من حديث أنس (٢٨٨٧).
(٢) الذي في المنتظم لابن الجوزي (١٠/ ٨٢) أن أبا عبد الله التكريتي الصوفي حدَّثه، قال: أسندتُه إليّ، فمات، فكان آخر كلمة قالها: {يَالَيْتَ قَوْمِي يَعْلَمُونَ}. ومثله في كتاب الثبات عند الممات له (١٨١).