للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

بِاللَّهِ وَكُنْتُمْ أَمْوَاتًا فَأَحْيَاكُمْ ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ثُمَّ يُحْيِيكُمْ} [البقرة: ٢٨]. فكانوا أمواتًا وهم نُطَفٌ في أصلاب آبائهم وفي أرحام أمهاتهم، ثم أحياهم بعد ذلك، ثم أماتهم، ثم يحييهم يوم النشور. وليس في ذلك إماتةُ أرواحهم قبل يوم القيامة، وإلا كانت ثلاث موتات.

وصعقُ الأرواح عند النفخ في الصور لا يلزم منه موتُها. ففي الحديث الصحيح: «أن الناسَ يَصْعَقون يومَ القيامة، فأكونُ أولَ من يُفيق، فإذا موسى آخذٌ بقائمة العرش، فلا أدري أفاقَ قبلي أم جُوزي بصعقة يوم الطور» (١). فهذا صعقٌ في موقف القيامة إذا جاء الله سبحانه لفصل القضاء، وأشرقت الأرضُ بنوره (٢)، فحينئذٍ تَصعقُ الخلائقُ كلُّهم. قال تعالى: {فَذَرْهُمْ حَتَّى يُلَاقُوا يَوْمَهُمُ الَّذِي فِيهِ يُصْعَقُونَ} [الطور: ٤٥]، ولو كان هذا الصَّعق موتًا لكانت (٣) موتة أخرى.

وقد تنبَّه لهذا جماعةٌ من الفضلاء. فقال أبو عبد الله القرطبي: ظاهرُ هذا الحديث أن هذه صعقةُ غشي تكون يوم القيامة، لا صعقة الموت الحادثة عند نفخ الصور (٤).

قال: وقد قال شيخنا أحمدُ بن عمر (٥): وظاهرُ حديث النبيِّ - صلى الله عليه وسلم - يدلُّ


(١) أخرجه البخاري (٣٣٩٨)، ومسلم (٢٣٧٤) من حديث أبي سعيد الخدري.
(٢) (ب، ط، ن، ج): «بنور ربها».
(٣) (ن): «لكان».
(٤) التذكرة بأحوال الموتى وأمور الآخرة (١/ ٤٥٧). وهو جزء من كلام للحليمي في المنهاج (١/ ٤٣١، ٤٣٢) نقله القرطبي.
(٥) أبو العباس القرطبي في كتابه المفهم (٦/ ٢٣٢).