للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ففي هذا الحديثِ بيانُ سرعة انتقال [٦٥ ب] أرواحهم من العرش إلى الثَّرى، ثم انتقالها من الثرى إلى مكانها (١). ولهذا قال مالك وغيرُه من الأئمة: إنَّ الروحَ مرسَلةٌ تذهب حيث شاءت (٢). وما يراه الناس من أرواح الموتى ومجيئهم إليهم من المكان البعيد أمرٌ يعلمه عامّة الناس، ولا يشكُّون فيه. والله أعلم.

وأما السلامُ على أهل القبور وخطابُهم فلا يدلُّ على أن أرواحهم ليست في الجنة وأنها على أفنية القبور، فهذا سيِّدُ ولد آدم الذي روحه في أعلى علِّيين مع الرفيق الأعلى يُسلَّم عليه عند قبره، ويرُدُّ سلام المسلِّم عليه.

وقد وافق أبو عُمر رحمه الله على أنَّ أرواح الشهداء في الجنَّة، ويسلَّم عليهم عند قبورهم، كما يسلَّم على غيرهم، كما علَّمَنا النبيُّ - صلى الله عليه وسلم - أن نسلِّم عليهم؛ وكما كان الصحابة يسلِّمون على شهداء أحد، وقد ثبت أنَّ أرواحهم في الجنة تسرح حيث شاءت كما تقدَّم (٣).

ولا يضيق (٤) عَطَنُك عن كون الروح في الملأ الأعلى تسرح في الجنة حيث شاءت، وتسمع سلام المسلِّم عليها عند قبرها، وتدنو حتى ترُدَّ عليه السلام، فللروح (٥) شأن آخر غيرُ شأن البدن. وهذا جبريل صلوات الله


(١) (ب، ط، ج): «أماكنها».
(٢) تقدّم في أول هذه المسألة.
(٣) من حديث ابن مسعود، ضمن ما احتجّ به القائلون بأن أرواح المؤمنين في الجنة.
(٤) كذا في جميع النسخ: «يضيق» بإثبات الياء. والخبر بمعنى الطلب، كما في الحديث الآتي في (ص ٣٧٢): «لا يصلي أحد على أحد ولا يصوم أحد عن أحد».
(٥) ما عدا (ن): «وللروح».