للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

منك. فالموجدةُ وجودُ ما نالك من أذاه، والحقدُ توقُّعُ وجودِ ما يناله من المقابلة. فالموجدة سريعة الزوال، والحقد بطيء الزوال. والحقد يجيء مع ضيقِ القلب واستيلاءِ ظلمةِ النفس ودخانِها عليه، بخلاف الموجدة فإنها تكون مع قوته وصلابته وقوة نوره وإحساسه.

فصل

والفرق بين المنافسة والحسد: أنَّ المنافسةَ المبادرةُ إلى الكمال الذي تشاهدُه من غيرك، فتنافسُه فيه، حتى تلحقَه أو تجاوزَه. فهي من شرف النفس وعلوِّ الهمة وكبر القَدْر. قال تعالى: {وَفِي ذَلِكَ فَلْيَتَنَافَسِ الْمُتَنَافِسُونَ} [المطففين: ٢٦].

وأصلها من الشيء النفيس الذي تتعلَّقُ به النفوس طلبًا ورغبةً، فتنافسُ فيه كلٌّ من النَفْسين الأخرى، وربما فرحت إذا شاركتها فيه، كما كان أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يتنافسون في الخير، ويفرحُ بعضُهم ببعض باشتراكهم فيه، بل يحضُّ بعضُهم بعضًا عليه مع تنافسهم فيه. وهي نوع من المسابقة، وقد قال تعالى: {فَاسْتَبِقُوا الْخَيْرَاتِ} [البقرة: ١٤٨]، وقال تعالى: {سَابِقُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ} [الحديد: ٢١].

وكان عمر بن الخطاب يُسابق أبا بكر فلم يظفَرْ بسَبْقهِ أبدًا. فلما علم أنه قد استولى على الأمَد (١) قال: والله لا أسابقُك إلى شيء أبدًا (٢)! وقال: والله


(١) في الأصل: «الأمة»، وكذا في (ق، ط). والصواب ما أثبتنا من غيرها. وفي النسخ المطبوعة: «الإمامة»، أرادوا الإصلاح فأفسدوا.
(٢) أخرجه أبو داود (١٦٨٠) من حديث عمر.