للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وانتحله، وقلَّد فيه مَن أحسَنَ به الظنَّ (١)؛ فليس يُجدي الكلامُ معه شيئًا. فدعه وما اختاره لنفسه، وولِّه ما تولَّى، واحمَدِ الذي عافاك مما ابتلاه به.

فصل

الأمر الثالث (٢): أنّ الله سبحانه جعل الدُّورَ ثلاثةً: دار الدنيا، ودار البرزخ، ودار القرار؛ وجعل لكلِّ دار أحكامًا تختصُّ بها. وركَّب هذا الإنسان من بدن ونفس، وجعل أحكام دار الدنيا على الأبدان، والأرواحُ تبعٌ (٣) لها. ولهذا جعل أحكامه الشرعيةَ مرتَّبةً على ما يظهر من حركات اللسان والجوارح، وإن أضمَرت النفوسُ خلافَه. وجعل أحكام البرزخ على الأرواح، والأبدانُ تبعٌ لها. فكما تبعت الأرواحُ الأبدانَ في أحكام الدنيا، فتألمت بألمها، والتذَّت [٤١ أ] براحتها، وكانت هي التي باشرت أسباب النعيم والعذاب= تبعت الأبدانُ الأرواحَ في نعيمها وعذابها، والأرواح حيئنذ هي التي تباشر (٤) العذاب والنعيم.

فالأبدان هنا ظاهرة، والأرواح خفية، والأبدان كالقبور لها. والأرواحُ هناك ظاهرة، والأبدان خفية في قبورها. تجري أحكام البرزخ على الأرواح،


(١) (ن): «الظن به».
(٢) لخَّصه شارح الطحاوية مضيفًا إليه جملة من الأمر الرابع (٣٩٦) دون إشارة إلى ابن القيم.
(٣) هنا وفيما يأتي غيّره بعض القراء في (أ، ن) إلى «تبعًا»، وكذا في (غ) والنسخ المطبوعة وهو خطأ.
(٤) كان في الأصل: «باشرت»، فضرب بعضهم على التاء، وزاد تاءً قبل الباء ليقرأ: «تباشر». وفي (ق): «تباشرت»، كأن ناسخها جمع بين الصيغتين.