للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

هذه شهادة على نفي ما لم يعلمه. فما يُدريه أنَّ السلف كانوا يفعلون ذلك، ولا يُشهِدون من حضَرَهم عليه، بل يكفي (١) اطِّلاع علَّام الغيوب على نيَّاتهم ومقاصدهم، لا سيَّما والتلفظُ بنيَّة الإهداء لا يُشترَط، كما تقدم.

وسِرُّ المسألة: أنَّ الثوابَ مِلكٌ للعامل، فإذا تبرَّع به وأهداه إلى أخيه المسلم أوصله الله إليه. فما الذي خَصَّ من هذا ثوابَ قراءة القرآن، وحجَرَ على العبد أن يُوصله إلى أخيه (٢)؟ وهذا عملُ الناس حتى المنكرين في سائر الأعصار (٣) والأمصار من غير نكيرٍ من العلماء (٤).

فإن قيل: فما (٥) تقولون في الإهداء إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم -؟

قيل: من الفقهاء المتأخرين (٦) من استحبَّه. ومنهم من لم يستحِبَّه، ورآه بدعةً (٧)؛ لأنَّ الصحابة لم يكونوا يفعلونه، وأنَّ النبيَّ - صلى الله عليه وسلم - له أجرُ كل من عمِل خيرًا من أمته، من غير أن يَنقُص من أجر العامل شيء؛ لأنه هو الذي دلَّ أمَّتَه


(١) (ط): «كفى».
(٢) في (ب، ط) زيادة: «المسلم».
(٣) في (ب، ط، ج): «الأقطار والأعصار».
(٤) (أ، غ): «بين العلماء». وانظر في تعقب كلام المؤلف في هذا الفصل: تفسير المنار (٨/ ٢٢٦ - ٢٣٢).
(٥) (ب، ط، ج): «ما».
(٦) (ب، ط، ج): «من المتأخرين». وفي جامع المسائل (٤/ ٢٥٤): «ذهب إليه طائفة من الفقهاء والعبّاد من أصحاب أحمد وغيرهم. وأقدم من بلغنا ذلك عنه علي بن الموفق أحد الشيوخ المشهورين. كان أقدم من الجنيد وطبقته. وقد أدرك أحمد وعصره، وعاش بعده».
(٧) قال شيخ الإسلام: «وهو الصواب المقطوع به». المصدر السابق.