للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وَاشْرَبُوا وَلَا تُسْرِفُوا} [الأعراف: ٣١].

وأما الشحُّ، فهو خُلقٌ ذميم يتولَّد من سوء الظن وضعف النفس، ويُمِدُّه وعدُ الشيطان حتى يصير هالعًا. والهلَعُ: شدَّة الحرص على الشيء والشَّره به (١)، فيتولَّد عنه المنعُ لبذله، والجزَعُ لفقده، كما قال تعالى: {إِنَّ الْإِنْسَانَ خُلِقَ هَلُوعًا (١٩) إِذَا مَسَّهُ الشَّرُّ جَزُوعًا (٢٠) وَإِذَا مَسَّهُ الْخَيْرُ مَنُوعًا} [المعارج: ١٩ ــ ٢١].

فصل

والفرق بين الاحتراز وسوء الظنِّ: أنَّ المحترز بمنزلة رجل قد خرج بماله ومركوبه مسافرًا، فهو يحترز بجهده من كل قاطعٍ للطريق، وكلِّ مكانٍ يتوقع منه الشر. وكذلك يكون مع التأهُّب والاستعداد وأخذِ الأسباب التي بها ينجو من المكروه. فالمحترِزُ كالمتسلِّح المتدرِّع الذي قد تأهَّب للقاء عدوه، وأعدَّ له عُدَّته، فهمَّتُه (٢) في تهيئة أسباب النجاة ومحاربة عدوِّه قد أشغلته عن [١٥٦ ب] سوء الظن به، وكلما أساء به الظنَّ أخذَ في أنواع (٣) العدَّة والتأهب.

وأما سوء الظن فهو امتلاء قلبه بالظُّنون السيئة بالناس حتى يطفحَ على لسانه وجوارحه، فهم معه أبدًا في الهمز واللَّمز والطعن والعيب (٤)


(١) كذا في جميع النسخ ما عدا (ب، ج)، فقد حذفت فيها «به». وقد نصَّت كتب اللغة على تعدية الشَّره بإلى (اللسان) وعلى (أساس البلاغة) لا غير.
(٢) في النسخ المطبوعة: «فهمُّه». وكذا في (غ).
(٣) (ب، ج): «بأنواع».
(٤) (ط، ن، ز): «العتب».