للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

البياض، ولكن على العيون غِشاوة أن تدركَ تلك الطبوع. فتراه يهرب من مظانِّ التلوث، ويحترسُ من الخلق، ويتباعد من مخالطتهم، مخافةَ أن يحصلَ لقلبه ما يحصل لثوب (١) الذي يخالط الدبَّاغين والذبَّاحين والطبَّاخين ونحوهم، بخلاف صاحب العُلوِّ، فإنه وإن شابَهَ هذا في تحرُّزه وتجنُّبه، فهو يقصِد أن يعلو رقابَهم، ويجعلهم تحت قدمه. فهذا لون، وذاك لون.

فصل

والفرق بين الشجاعة والجَراءة: أنَّ الشجاعةَ من القلب، وهي ثباتُه واستقرارُه عند المخاوف. وهو خُلقٌ يتولَّد من الصبر وحُسن الظن، فإنه متى ظنَّ الظَّفَر، وساعده الصبر، ثبَتَ؛ كما أنَّ الجبن يتولَّد من سوء الظن وعدمِ الصبر، فلا يظن الظَّفَر، ولا يساعده الصبر.

وأصلُ الجبن من سوء الظن ووسوسة النفس بالسوء، وهو ينشأ من الرئة، فإذا ساء الظن، ووسوست النفس بالسوء، انتفخت الرئة، فزاحمت القلبَ في مكانه، وضيَّقت عليه حتى أزعجته عن مستقره، فأصابه الزلازل (٢) والاضطراب لإزعاج الرئة له وتضييقها عليه.

ولهذا (٣) في حديث عمرو بن العاص الذي رواه أحمد وغيره عن النبي


(١) (ب، غ): «للثوب»، وكذا في النسخ المطبوعة.
(٢) (ب، ج، ز، ن): «الزلزال».
(٣) بعدها في النسخ المطبوعة زيادة: «جاء».