للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

يحتمل سوء خلُقه وشراسته ونفرته، ويتلطَّف في وصول الدواء إليه بكلِّ ممكنٍ. فهذا شأن الناصح.

وأما المؤنِّبُ، فهو رجلٌ قصدُه التعييرُ والإهانةُ، وذمُّ مَن يؤنِّبه، وشتمُه في صورة النُّصح. فهو يقول له: يا فاعل كذا وكذا، يا مستحقًّا للذمِّ والإهانة، في صورة ناصحٍ مُشفقٍ. وعلامة هذا أنه لو رأى مَن يحبُّه ويحسن إليه على مثل عمل هذا أو شرٍّ منه لم يعرض له، ولم يقل له شيئًا. ويطلبُ له وجوهَ المعاذير، فإن غُلِبَ قال: وأيُّنا (١) ضُمِنتْ له العصمة؟ والإنسان عُرضة [١٧١ ب] للخطأ، ومحاسنه أكثر من مساويه، والله غفورٌ رحيم، ونحو ذلك. فيا عجبًا كيف كان هذا لمن يحبُّه دون من يبغضه؟ وكيف كان حظُّ ذلك منك التأنيبَ في صورة النُّصح، وحظُّ هذا منك رجاءَ العفو والمغفرة، وطلبَ وجوه المعاذير؟

ومن الفروق بين الناصح والمؤنِّب: أنَّ الناصح لا يُعاديك إذا لم تقبل نصيحتَه، وقال: قد وقع أجري على الله، قبلتَ أو لم تقبل. ويدعو لكَ بظهر الغيب، ولا يذكر عيوبَكَ ويبثُّها في الناس. والمؤنِّبُ بضدِّ ذلك.

فصل

والفرق بين المبادرة والعجلة: أنَّ المبادرةَ انتهازُ الفرصة في وقتها، ولا يتركها حتى إذا فاتت طلَبَها. فهو لا يطلب الأمورَ في أدبارها ولا قبل وقتها، بل إذا حضر وقتُها بادر إليها، ووثب عليها وثوبَ الأسد على فريسته. فهو بمنزلة مَن يبادر إلى أخذ الثمرة وقتَ كمال نُضجها وإدراكها. والعجلة:


(١) في النسخ المطبوعة: «وأنَّى» خلافًا لما في النسخ الخطية.