للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

عنها النعيمُ والعذاب. وقد قال تعالى: {وَلَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتًا بَلْ أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ (١٦٩) فَرِحِينَ بِمَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَيَسْتَبْشِرُونَ بِالَّذِينَ لَمْ يَلْحَقُوا بِهِمْ مِنْ خَلْفِهِمْ} [آل عمران: ١٦٩ - ١٧٠]. هذا مع القطع بأنَّ أرواحَهم قد فارقتْ أجسادهم، وقد ذاقت الموت.

والصوابُ أن يقال: موتُ النفوس هو مفارقتُها لأجسادها وخروجُها منها. فإن أُريد بموتها هذا القدر، فهي ذائقة الموت. وإن أريدَ أنها تُعدَم وتضمحلُّ وتصير عدمًا محضًا، فهي لا تموت بهذا الاعتبار؛ بل هي باقيةٌ بعد خلقها في نعيم أو في عذاب، كما سيأتي إن شاء الله تعالى بعد هذا، وكما صرَّح به النصُّ أنّها كذلك حتى يردَّها الله في جسدها.

وقد نظم أحمدُ بن الحسين الكندي (١) هذا الاختلاف في قوله:

تنازَعَ الناسُ حتى لا اتفاقَ لهم ... إلَّا على شَجَبٍ والخُلْفُ في شَجَب

فقيل تخلُصُ نفسُ المرءِ سالمةً ... وقيل تشرَكُ جسمَ المرء في العَطَب

فإن قيل: فعند (٢) النفخ في الصور، هل تبقى الأرواحُ حيَّةً كما هي، أو تموت ثم تحيا؟

قيل: قد قال تعالى: {وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَصَعِقَ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ إِلَّا مَنْ شَاءَ اللَّهُ} [الزمر: ٦٨]. فقد استثنى الله سبحانه بعضَ من في السموات ومن في الأرض من هذا الصَّعق. فقيل: هم الشهداء. هذا قول أبي


(١) يعني أبا الطيب المتنبي. وانظر البيتين في شرح ديوانه للواحدي (٦١٢).
(٢) (أ، ب): «فبعد».