للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الغافل (١) يعلمُ وعد الله ووعيدَه وما تتقاضاه أوامر الرب تعالى ونواهيه وأحكامُه من الحقوق، لكن يحجبُه عن حقيقة الإدراك ويُقعده عن الاستدراك سِنةُ القلب، وهي غفلته التي رقد فيها فطال رقوده، وركد وأخلد (٢) إلى نوازع الشهوات، فاشتدَّ إخلاده وركوده. وانغمس في غمار الشهوات، واستولت عليه العادات ومخالطةُ أهل البطالات، ورضي بالتشبُّه بأهل إضاعة الأوقات. فهو في رقاده مع النائمين، وفي سَكْرته مع المخمورين. فمتى انكشفت عن قلبه سِنَةُ هذه الغفلة بزجرةٍ من زواجر الحق في قلبه، استجاب فيها لواعظِ الله في قلب عبده المؤمن، أو هِمَّة عليَّةٍ (٣) أثارها مِعولُ الفكر في المحلِّ القابل، فضرب بمعول فكره، وكبَّر تكبيرةً أضاءت له منها قصورُ الجنة، فقال (٤):

ألا يا نفسُ ويحكِ ساعديني ... بسعيٍ منكِ في ظُلَم الليالي

لعلَّكِ في القيامة أن تفوزي ... بطِيبِ العيشِ في تلك العلالي

فأنارت (٥) له تلك الفكرةُ نورًا رأى في ضوئه ما خُلِق له وما سيلقاه بين


(١) في الأصل: «العاقل». وكذا في (ق، غ، ج). وفي (ب): «العالم».
(٢) رسمها في الأصل: «ركد خلده». ونحوه في (ق، غ، ط). وفي (ز): «ركد مخلدًا». وفي (ب، ج) حذف «وركد». والمثبت من (ن). وكذا في النسخ المطبوعة.
(٣) قرأها الناسخون والناشرون «عليه». فحذف ناسخ (ط): «همة»، وناسخ (ن) الكلمتين.
(٤) البيتان لرجل من بني سعد كما في التهجد وقيام الليل لابن أبي الدنيا (١٤١). وانظر: صفة الصفوة (٤/ ٥٩) وتذكرة القرطبي (٩٦٧).
(٥) ما عدا (ز): «فأثارت». وكذا في النسخ المطبوعة. والأصل غير منقوط.