للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

يديه من حين الموتِ إلى دخول دار القرار. ورأى سرعةَ انقضاء الدنيا، وعَدَم وفائها لبنيها، وقتلَها لعُشَّاقها وفعلَها بهم أنواع المَثُلات. فنهض في ذلك الضوء على ساقِ [١٤٧ أ] عزمه قائلًا: {يَاحَسْرَتَا عَلَى مَا فَرَّطْتُ فِي جَنْبِ اللَّهِ} [الزمر: ٥٦]. فاستقبل بقيةَ عُمره التي لا قيمة لها مستدركًا بها ما فات، محييًا بها ما أمات، مستقيلًا (١) بها ما تقدَّم له من العثَرات، منتهزًا فرصةَ الإمكان التي إن فاتت فاته جميعُ الخيرات.

ثم يلحظ في نور تلك اليقظة وفود (٢) نعمة ربِّه عليه من حين استقرَّ في الرحِم إلى وقته، وهو يتقلب فيها ظاهرًا وباطنًا ليلًا ونهارًا، يقظةً ومنامًا، سرًّا وعلانيةً. فلو اجتهد على إحصاء أنواعها لما قَدَر، ويكفي أنَّ أدناها نعمةُ النفَس، ولله عليه في كلِّ يوم أربعة وعشرون ألفَ نعمة، فما ظنُّك بغيرها؟ (٣).

ثم يرى في ضوء ذلك النورِ أنه آيسٌ من حصرها وإحصائها، عاجزٌ عن أداء حقِّها، وأنَّ المنعِم بها إن طالبه بحقوقها استوعب جميعَ أعماله حقُّ نعمةٍ واحدة منها، فيتيقَّن (٤) حينئذ أنه لا مطمعَ له في النجاة إلا بعفو الله ورحمته وفضله (٥).


(١) في النسخ المطبوعة ما عدا الطبعة الهندية: «مستقبلًا»، تصحيف.
(٢) في (ن): «وقوَّة»، تحريف. وفي غيرهما جميعًا ما أثبتنا، يعني الورود والقدوم. وفي نشرتي العموش وبديوي: «وفور»، تحريف.
(٣) انظر: التبيان في أيمان القرآن (٤٦٤، ٦٢١)، وطريق الهجرتين (١١٤)، ومفتاح دار السعادة (٢/ ٥٤).
(٤) (ب، ط، ق، غ): «فتيقَّن».
(٥) «منها ... فضله» ساقط من (ن، ز).