للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وقد ذكر الله سبحانه هاتين القيامتين ــ وهما الصغرى والكبرى ــ في سورة المؤمنين، وسورة الواقعة، وسورة القيامة، وسورة المطففين، وسورة الفجر، وغيرها من السور. وقد اقتضى عدلُه وحكمتُه أن جعلهما داري جزاءٍ للمحسن والمسيء (١)، ولكنَّ توفية الجزاء إنما يكون يومَ المعاد الثاني في دار القرار، كما قال تعالى: {كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ وَإِنَّمَا تُوَفَّوْنَ أُجُورَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ} [آل عمران: ١٨٥].

وقد اقتضى عدلُه وأوجبت أسماؤه الحسنى وكمالُه المقدَّس تنعيمَ أبدان أوليائه وأرواحهم، وتعذيبَ أبدان أعدائه وأرواحهم؛ فلابدَّ أن يذيق بدنَ المطيع له وروحَه من النعيم واللذة ما يليق به [٤٨ أ]، ويذيق بدنَ الفاجر العاصي له وروحَه من الألم والعقوبة ما يستحقّه. هذا موجَب عدلِه وحكمتِه وكمالِه المقدَّس.

ولما كانت هذه الدارُ دارَ تكليف وامتحان، لا دار جزاء، لم يظهر فيها ذلك. وأما البرزخ فأولُ دار الجزاء، فظهر فيها من ذلك ما يليق بتلك الدار، وتقتضى الحكمةُ إظهارَه. فإذا كان يومُ القيامة الكبرى وَفَّى (٢) أهلَ الطاعة وأهلَ المعصية ما يستحقُّونه من نعيم الأبدان والأرواح وعذابهما.

وعذابُ (٣) البرزخِ ونعيمُه أولُ عذاب الآخرة ونعيمها. وهو مشتقٌّ منه، وواصِلٌ إلى أهل البرزخ من هناك، كما دلَّ عليه القرآن والسنة الصريحةُ في


(١) (ن): «للمحسنين والمسيئين». ونحوه في (ق) دون لام الجرّ.
(٢) الضبط من (أ، ط، ن). ويجوز بالبناء للمجهول.
(٣) ما عدا الأصل: «فعذاب». وقد عدّل بعض القراء في الأصل أيضًا، فزاد فاءً، ونسي حذف الواو.