للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فالخاشعُ لله عبد قد خمدَتْ نيرانُ شهوته، وسكَنَ دخانُها عن صدره، فانجلى الصدر، وأشرق فيه نورُ العظمة. فماتتْ شهواتُ النفس، للخوف والوقار الذي حُشي به، وخمدت الجوارحُ، وتوقَّر القلب، واطمأنَّ إلى الله وذكره، بالسكينة التي تنزَّلتْ (١) عليه من ربِّه، فصار مخبتًا له. والمخبِتُ: المطمئنُّ، فإنَّ الخَبْت من الأرض: ما تطامَن فاستنقع فيه الماء. فكذلك القلبُ المخبِتُ قد خشع وتطامَنَ، كالبقعة المطمئنة من الأرض التي يجري إليها الماءُ، فيستقرُّ فيها. وعلامته أن يسجدَ بين يدي ربه إجلالًا له وذلًّا وانكسارًا بين يديه سجدةً لا يرفع رأسَه منها حتى يلقاه. وأمَّا القلبُ المتكبِّرُ، فإنه قد اهتزَّ بتكبُّره ورَبا، فهو كبقعةٍ رابية من الأرض لا يستقرُّ عليها الماء.

فهذا خشوع الإيمان.

وأما التماوت وخشوع النِّفاق، فهو حال عبد تكلَّف إسكانَ الجوارح تصنُّعًا ومراياةً (٢)، ونفسُه في الباطن شابّةٌ طريَّةٌ ذاتُ شهوات وإرادات. فهو يتخشّع في الظاهر، وحَيَّةُ الوادي وأسدُ الغابة رابضٌ بين جنبيه ينتظر الفريسة.

فصل

وأما شرفُ النفس، فهو [١٥٣ ب] صيانتها عن الدَّنايا والرذائل والمطامع التي تقطِّعُ أعناق الرجال، فربأ (٣) بنفسه عن أن يُلقيها في ذلك، بخلاف التِّيه،


(١) (ب، ج): «نزلت».
(٢) كذا في جميع النسخ بالياء على القلب.
(٣) (ج): «فيربأ». وكذا في النسخ المطبوعة.