للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فهكذا في البرزخ، بل أعظم، فإنَّ تجرُّدَ الروح هناك أكملُ (١) وأقوى وهي متعلقة ببدنها لم تنقطع عنه كلَّ الانقطاع. فإذا كان يومُ حشر الأجساد وقيامِ الناس من قبورهم، صار الحكم والنعيم والعذاب على الأرواح والأجساد ظاهرًا باديًا أصلًا.

ومتى أعطيتَ هذا الموضع حقَّه تبيَّن لك أنّ ما أخبر به الرسول - صلى الله عليه وسلم - من عذاب القبر ونعيمه، وضيقه وسعته، وضمِّه، وكونه حفرةً من حفر النار، أو روضةً من رياض الجنة مطابقٌ للعقل، وأنَّه حقٌّ لا مِريَة فيه، وأنَّ مَن أشكَلَ عليه ذلك فمن سوء فهمه وقلة علمه أُتيَ، كما قيل [٤١ ب]:

وكم مِن عائبٍ قولًا صحيحًا ... وآفَتُه من الفهمِ السَّقيمِ (٢)

وأعجبُ من ذلك أنك تجد النائمَين (٣) في فراش واحد، وهذا روحُه في النعيم، ويستيقظ وأثرُ النعيم على بدنه. وهذا روحُه في العذاب، ويستيقظ وأثرُ العذاب على بدنه. وليس عند أحدهما خبرٌ بما عند الآخر. فأمرُ البرزخ أعجبُ من ذلك.

فصل (٤)

الأمر الرابع: أنَّ الله سبحانه جعل أمر الآخرة وما كان متصلًا بها غيبًا، وحَجَبها عن إدراك المكلَّفين في هذه الدار. وذلك من كمال حكمته،


(١) (ق): «أجمل»، تصحيف.
(٢) للمتنبي في ديوانه بشرح الواحدي (٣٣٩).
(٣) ما عدا (أ، ق، غ): «نائمين».
(٤) «فصل» لم يرد في (ن).