للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فليس للأرواح ــ سعيدِها وشقيِّها (١) ــ مستقرٌّ واحد. بل روح في أعلى عليين، وروح أرضية سفلية لا تصعد عن الأرض، وأنت إذا تأملتَ السنن والآثار في هذا الباب، وكان لك بها فضلُ اعتناءٍ، عرفتَ صحة (٢) ذلك.

ولا تظنَّ أنَّ بين الآثار الصحيحة في هذا الباب تعارضًا، فإنَّها كلَّها حقٌّ يصدِّق بعضُها بعضًا (٣)، لكن الشأن في فهمهما ومعرفةِ النفس وأحكامها، وأنَّ لها شأنًا (٤) غيرَ شأن البدن، وأنَّها مع كونها في الجنَّة فهي في السماء، وتتصل بفناء القبر وبالبدن فيه، وهي أسرع شيء حركةً وانتقالاً وصعودًا وهبوطًا، وأنَّها تنقسم إلى مرسَلة ومحبوسة، وعلويّة وسفليّة. ولها بعد المفارقة صحّة ومرض، ولذّة ونعيم، وألم أعظم مما كان لها حال اتصالها بالبدن بكثير. فهنالك الحبس والألم والعذاب والمرض والحسرة، وهناك اللذة والراحة والنعيم والإطلاق. وما أشبهَ حالَها في هذا البدن بحال البدن (٥) في بطن أمه، وحالَها بعد المفارقة بحاله بعد خروجه من البطن إلى هذه الدار!

فلهذه الأنفس أربع دُورٍ (٦) كلُّ دار أعظم من التي قبلها:


(١) (ب، ط): «شقيها وسعيدها».
(٢) (أ، ق، غ): «حجة»، ولعلها تصحيف.
(٣) انظر: مختصر الفتاوى المصرية (٢٣٤).
(٤) (ق): «شأن»، وكذا كان في الأصل، فأصلحه بعضهم.
(٥) كذا في جميع النسخ. وفي بعض النسخ المطبوعة: «الولد». ولعله من تصرّف الناشرين.
(٦) (ب، ط، ن، ج): «أربعة دور».