بذرًا متراكمًا بعضُه على بعض. فذلك المكانُ البذرُ فيه ضائعٌ معطَّل، وهذا المكان بذرُه متراكم بعضُه على بعض، يحتاج أن يُقلعَ بعضُ زرعه ليصلُح الباقي، ولئلا تضعفَ الأرضُ عن تربيته.
والله سبحانه هو الجواد على الإطلاق، بل كلُّ جودٍ في العالم العلويِّ والسُّفلي بالنسبة إلى [١٥٥ أ] جوده أقلُّ من قطرة في بحار الدنيا، وهي من جُوده، ومع هذا فإنما ينزِلُ بقدر ما يشاء. وجُوده لا يُناقِض حكمَته، ويضع عطاءه مواضعَه، وإن خَفِي على أكثر الناس أن تلك مواضعه. فالله أعلم حيث يضع فضلَه وأيُّ المحالِّ أولى به، والله أعلم.
فصل
والفرقُ بين المهابةِ والكِبْر: أن المهابة أثرٌ من آثار امتلاء القلب بعظمة الله ومحبته وإجلالهِ، فإذا امتلأ القلبُ بذلك حلَّ فيه النورُ، ونزلت عليه السكينة، وأُلبِسَ رداءَ الهيبة، فاكتسى وجهُه الحلاوة والمهابة، فأخذ بمجامع القلوب محبةً ومهابةً، فحنَّت إليه الأفئدة، وقرَّت به العيون، وأنِست به القلوب. فكلامه نورٌ، ومدخله نورٌ، ومخرجَه نورٌ، وعمله نورٌ. إن سكَت علاه الوقار، وإن تكلَّم أخذ بالقلوب والأسماع.
وأما الكبر، فأثرٌ من آثار العُجب والبغي من قلبٍ قد امتلأ بالجهل والظلم، ترحَّلت منه العبودية، ونزل عليه المقتُ؛ فنظرُه إلى الناس شَزْر، ومشيُه بينهم تبختُر، ومعاملتُه لهم معاملةُ الاستئثار، لا الإيثار ولا الإنصاف. ذاهبٌ بنفسه تِيهًا، لا يبدأ من لَقِيه بالسلام، وإن ردَّ عليه (١) رأى أنه قد بالغَ