للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وهذا القول تردُّه السنة الصحيحة والآثار التي لا مَدْفَعَ لها، وقد تقدَّم ذكرها. وكلُّ ما ذكره من الأدلّة، فهو يتناول الأرواح التي هي في الجنة بالنصِّ وفي الرفيق الأعلى. وقد بيَّنَّا أنَّ عرضَ مقعد الميِّت عليه من الجنة أو النار لا يدلُّ على أنّ الرُّوح في القبر ولا على فنائه دائمًا من جميع الوجوه، بل لها إشرافٌ واتصال بالقبر وفِنائه، وذلك القدرُ منها يُعرَض عليه مقعده. فإنَّ (١) للروح شأنًا آخرَ: تكون في الرفيق الأعلى في أعلى علِّيين، ولها اتصال بالبدن، بحيث إذا سلَّم المسلِّم على الميِّت ردَّ الله عليه روحَه، فيردُّ (٢) عليه السلامَ، وهي في الملأ الأعلى.

وإنما يغلط أكثرُ الناس في هذا الموضع حيث يعتقد أنَّ الروح من جنس ما يعهد من الأجسام التي إذا شغلتْ مكانًا لم يمكن أن تكون في غيره. وهذا غلط محضٌ، بل الروحُ تكون فوق السموات في أعلى عليين، وتُرَدُّ (٣) إلى القبر، فَتَرُدُّ السّلام، وتعلم بالمسلِّم، وهي في مكانها هناك.

وروح رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في الرفيق الأعلى دائمًا، ويردُّها (٤) الله سبحانه وتعالى إلى القبر، فترُدُّ السّلام على من سلّم عليه، وتسمعُ كلامه (٥). وقد رأى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - موسى قائمًا يصلِّي في قبره، ورآه في السماء السادسة أو السابعة (٦). فإما أن تكون سريعةَ الحركة والانتقال كلمح البصر، وإما أن


(١) (ن): «قال»، تصحيف. فلمّا صحّف كتب بعده: للروح شأن.
(٢) (ب، ط، ج): «فردّ».
(٣) ضبطه في (ط): «تَرِد» من الورود.
(٤) (ن): «الأعلى وإنّما يردّها».
(٥) (ب، ط، ن، ج): «سلامه».
(٦) تقدم في المسألة السادسة (ص ١٢٥).