للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وقد تتناسب الرُّوحانِ وتشتدُّ علاقةُ إحداهما بالأخرى، فيشعر كلٌّ منهما ببعض ما يحدث لصاحبه، وإنْ (١) لم يشعرْ بما يحدثُ (٢) لغيره لشدة العلاقة بينهما، وقد شاهد الناس من ذلك عجائب.

والمقصود أن أرواحَ الأحياء تتلاقى في النوم، كما تتلاقى أرواحُ الأحياء والأموات.

قال بعضُ السلف: إنَّ الأرواحَ تتلاقى في الهواء، فتتعارف، وتتناكر، فيأتيها ملكُ الرؤيا بما هو لاقيها من خير أو شر. قال: وقد وكَّلَ اللهُ بالرؤيا الصادقةِ ملَكًا علَّمه وأَلهمه معرفةَ كلِّ نفس بعينها، واسمِها، ومنقلَبِها في دينها ودنياها، وطبعِها، ومعارفِها؛ لا يشتبه عليه منها شيء، ولا يغلطُ فيها، فيأتيه نسخة (٣) من علمِ غيب الله من أُمِّ الكتاب بما هو مُصيبٌ لهذا الإنسان [٢٠ أ] من خيرٍ وشرٍّ في دينه ودنياه. ويضربُ له فيها الأمثال والأشكال على قدر عادته، فتارةً يبشِّره بخير قدَّمه أو يقدِّمه، ويُنذره من معصية ارتكبها أو هَمَّ بها، ويحذّره من مكروه انعقدتْ أسبابه؛ لِيعارض تلك الأسبابَ بأسبابٍ تدفعها، ولغير ذلك من الحِكم والمصالح التي جعلها الله في الرؤيا نعمةً منه ورحمةً وإحسانًا وتذكيرًا وتعريفًا. وجعل أحدَ طُرق ذلك تلاقيَ الأرواح وتذاكُرَها وتعارفَها.

وكم ممن كانت توبتُه وصلاحُه وزهدُه وإقبالُه على الآخرة عن منامٍ رآه أو رُئِيَ له! (٤) وكم ممن استغنى وأصابَ كنزًا أو دفينًا عن منام!


(١) (ن): «وإنما»، وهو خطأ.
(٢) (ب، ط): «حدث».
(٣) (ن): «بنتيجة»، وكأنّه مغيَّر.
(٤) «وكم ممن ... رئي له» ساقط من (ن).