للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وإن كان إدراك الشيء لا يتوقف على حصول صورةِ المرئيِّ في الرائي بَطَل قولُكم: إنَّ إدراك القلب والدماغ يتوقَّف على حصول صورة القلب والدماغ في القوة العاقلة.

وأيضًا: فقولكم: لو كانت القوة العقلية حالَّةً في جسم لوجب أن تكون دائمةَ الإدراك لذلك الجسم. لكنَّ إدراكَنا لقلبنا ودماغنا غيرُ دائم، فهذا إنما يلزم من يقول: إنها حالَّة في القلب أو الدماغ (١).

وأما من يقول: إنها حالَّة في جسم مخصوص، وهو النَّفس، وهي مشابكة للبدن؛ فهذا الإلزام غيرُ وارد عليه، فإنه يقول: النفس جسم مخصوص، والإنسان أبدًا (٢) عالمٌ بأنه جسم مخصوص، ولا يزول ذلك من عقله إلا إذا عرضتْ له الغفلة. فسقطت الشبهة التي عوَّلتم عليها على كل تقدير.

فصل

قولكم في السادس: إن كلَّ أحد يدرك نفسه، والإدراك عبارةٌ عن حصول ماهيةِ المعلوم عند العالِم، وهذا إنما يصح إذا كانت النفس غنيَّةً عن المحلِّ، إلى آخره.

جوابه: أن ذلك مبني على الأصل المتقدِّم، وهو أنَّ العلم عبارة عن حصول صورة مساوية للمعلوم في نفس العالِم. وهذا باطل من وجوه كثيرة مذكورة في مسألة العلم. حتى لو سَلِم ذلك، فالصورةُ المذكورةُ شرطٌ في


(١) ما عدا الأصل، (ق): «والدماغ».
(٢) «أبدا» ساقط من (ن، ز).